بقلم: سُلافة محمود
يخطر على بالِ الكثير مِنّا الهروب وترك كل شيء، عندما نوضع في موقفٍ صعب ويجب علينا مواجهته نتمنى الهرب، عندما نواجه صدمات في أشخاصٍ كُنّا على ثقة تامة من إخلاصهم ونكتشف عكس ذلك؛ نتمنى الهرب إما من المكان الذي اعتدنا على وجودهم فيه، أو إلى النوم، حيث الهروب المؤقت الذي ينتشلنا من الحزن، مُتمنين أن يكون كل مايحدث حلم وسوف نستيقظ منه.
الهروب فكرة دائمة تراودنا، لكننا نسينا أن كل طرق الهروب تؤدي إلى طريق واحد فقط وهو الله وقَدره، فنحن نفرُ من قدر الله إلى قدر الله أيضًا.
نحن جميعًا ندور في دائرة مركزها الله، وجميعًا على مسافة واحدة من هذا المركز، مالم يقرر أحدنُا التقرب إليه وتنفيذ تعاليمه فيكون هو الأجدر بالقرب منه.
لكلِ شيء حولنا وجهان: أحدهما أبيض، والثاني أسود، فلا أحد بلا أخطاء، العلاقات لها وجهان والمشاعر أيضًا لها وجهان. دائمًا تراودني الآية التي ذكرها الله تعالى في سورة التين: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” دائمًا هناك لُطف من الله يُحيط بنا، فلا عُسر بدون يُسر، لو تأملنا كل هذه الحياة وحتى الكون، سنفهم جيدًا أن كل شيء يقوم على التناقضات، لم نكن نعرف معنى للخير إلا إذا كنا رأينا الشر، ولم نكن ندرك معنى للصحة إلا إذا كنا نعرف ماهو المرض، إذًا فلا داعي لكل هذا القلق لأننا لابد أن نمر بكل هذه التناقضات لنعرف قيمة الطرف الآخر من قُطبيّ هذا التناقض.
نحتى عندما ييأس الإنسان ويقرر الانتحار فإنه أيضًا يذهب لنقيض الحياة وهو الموت، يهرب من الله في الدنيا، ليذهب إليه في الآخرة! الله خلق هذا الكون بكل تفاصيله المتناقضة لنعرف معنى كل شيء ونقدره ونحترم الألم والحزن الذي بسببه أصبحنا نعرف معنى الصحة والسعادة.
فالهروب ليس حلْ، لكن المواجهة وتقبل الأشياء بما هي عليه بكل أوجُهها بما في ذلك العلاقات والعمل والمستقبل؛ سيجعل مِنّا أشخاص أقوياء لايستطيع أحد كسرنا ولا يقدر شيء أن يعصف بسلامنا الداخلي؛ لأننا سنكون مُتيقنين بأن الله معنا يُحيطنا بلطفه طوال الوقت وهذه هي قوانين الكون لانستطيع أن نخرج منها مهما حاولنا، فلابد أن نعيش كل شيء ونختبر نفسنا في كل شعور وفي كل لحظة يُحيطنا الله بلطفه؛ الهروب دائمًا يكون منه وإليه.
