بروفايل

سطورٌ خفية في حياة الكاتبة الراحلة الآء الجمل

«نحن نكتب بإبداع تحت تأثير الشعور، إما سعادة عارمة أو حزن هائل!»… كانت هذه كلمات الكاتبة المُفضلة، كانت تعشق هذا النَص، تؤمن بهِ وبنفسها إيمانًا كامل، فكانت الكتابة، هي بيتُها الثان، ملاذُها الآمن، حياتها التي تمنت دومًا أن تصل إليها بكل فخرٍ وحُب.

الآء محسن عبد الباسط الجمل، وشُهرتها (الآء الجمل)، البالغة من العمر 23 عامًا، ابنة قرية الجمايلة التابعة لمركز دسوق في محافظة كفر الشيخ.

ولدت الآء في محافظة كفر الشيخ وتربت فيها، حيث كانت تُعاني من بعض الأعاقة البدنية لكن لم يكن الأمر يمنعها من دراستها وبناء حملها الراسغ بداخلها، فلم تخشَ شيئًا وأكملت صفوصفها جميعًا بقلبٍ راضٍ وبنية طيبة، إلى أن درست كلية التجارة في جامعة كفر الشيخ.

تميزت الآء الجمل بالمحبة الواسعة، والشعبية الكبيرة، كانت صديقةً وافية، أختًا طيبة، وابنةً صالحة، كان عقلها يسبق عمرها بسنوات، هي فتاة ولكن بقلب امرأةٍ واعية، تقف بجانبِ الجميع، تميزت الآء بحب الجميع لها، وبسيرتها الطيبة العطرة، تركت في قلب كل من يعرفُها بصمةً قوية، وأثرًا طيب، فكانت كاليدِ الحنونة، لا تترك أحدًا في مأزقٍ وضيق، مُطمئنة الوجود والكلام، امتازت بالقبول بين عائلتها وصديقاتها وحتى جمهورها، ولأنه وكما يُقال دائمًا بأن العبرة بالنهايات رأينا الحُزن يحوم قلوب أصحابها ومُتابعيها.

رأينا كل من قريبٍ وبعيدٍ يذكر موقفًا طيبًا، أثرًا جميلًا لها، رأينا حُزنًا كبيرًا يقابله الكثيرٍ من الدعاء لها والترحُم عليها، حيث أن سيرتها العطرة تلك، كافية بأن نُدرك قيمتها، وكم كانت مُحبة، جميلة، طيبة بين جمهورها.

رغم صِغر سنها إلا أن سطورها قد بدأت بالانتشار بين الجميع، بدأت الآء الكتابة أثناء مسيرتها التعليمية، في آخر مرحلة دراسيةً لها وهي مرحلة الجامعة، فبدأت بينها وبين نفسها، ثم دَونت على صفحتها الخاصة، إلى أن تم نشر أول عملٍ ورقيٍ لها،
وهي رواية «مُرّ التعلق» مع دار اسكرايب للنشر والتوزيع.

طالما سَعت لتحقيق هدفها، ظلت مُتمسكةً به، حالمةً الوصول إليه، لم تيأس ولم تستلم أبدًا، كان أهلها مصدر دعمٍ أوليّ لها، أخواتها، ثم أصدقائها الذين بدأت في أخذِ رأيهم لترى وليدتها الأولى قد خُلقت بقوتها وعزيمتها إلى نور الدنيا.

كانت تقرأ لكثيرٍ من الكُتاب وتؤمن بهم إيمانًا يجدد في قلبها النور، ويجعلها على إصرارٍ أكبر بالنهوض كلما تعرضت للتعثر، وكان من كُتابها المفضلين: العراب الراحل د. أحمد خالد توفيق.

فأُصدرت الرواية العام الماضي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، أسعد الأمر قلبها، وزادت سعادتها أيضًا حينما وجدت رأي الجمهور، وتحفيزه دعمًا ثانٍ لها، فأيقنت أن ما فعلته لم يكُن هباءًا منثورا.

«مُر التعلق»… لم تكن تعلم أن اسم روايتها سيظل عالقًا بقلوبنا، سنظل نَشعره، وإن لم نكن نراه، لقت الآء حَتفُها بعد صراعٍ مع المرض في الآوانة الأخيرة، قد قدر الله لها أن يبتليها بمرضِ ذلك الفيرس (الكورونا) رغم مرض إعاقتها آنفًا، قد أراد الله لها أن يقابلها دون شقاء، دون ذنوب، هكذا وضع الله محبته لها، ووضع محبته في قلوب من يعرفها، وبِدعاءِ الناس لها وحزنهم يوم وفاتها.

كثيرًا ما كانت كتاباتها عن الموت، كأن قلبها يعلم جيدًا أنه عمَّا قريب سيلقى مصيره.
فكانت كتاباتها عبارة عن:

_”حينما تغيبتَ عني ليلة انقبض صدري، قال الجميع أنك ستعود، لكنني وحدي كنتُ أعلم أنَّه لم يكن مُجرد انقباض صدر؛ بل كان خلفه أشياء أخرى تكاد تُرهقني”…

_”أُحاول كل يوم أن أثبت للآخرين أنني بخير حينما أنخرط معهم؛ في حين لا أفهم لِمَ أنا مُجبر على ارتداء ذلك القِناع الإجتماعي السخيف، بالرغم من أنني أضطرب من التجمعات، وأمقت العالم خارج حدود غرفتي، لا أفهم لِمَ تحلو لي حياة الرهبنة، يتردد في أذني حديث كافكا حين قال: “كل يوم وأنا بين الناس أواسي نفسي بفكرة أنني عندما أعود لغرفتي لن أسمع وأرى أي إنسان”، الأيام تمضي كالصاعقة وشعور يداهمك أنك تالف نفسياً وجسدياً كالعجائز على الرغم من أنك لم تتجاوز العقد الثالث بعد، تقف في المنتصف بين شباب لم تعيشه وأحلام تتعثر، وبين شيخوخة تنتظرك وتلَّوح لك من بعيد في آخر العمر، لكنك تراها جيداً، تظل في المنتصف تمقت الحاضر وتبكي على الماضي وتخشى المستقبل وما يخفيه في جعبته…”

كانت تكتب الكثير والكثير منهم، ولكنها لم تكن تعلم أنه في يومٍ ما سوف تفارق حياتها الدنيوية، وتذهب إلى من هو أولى وأحق لها مِنّا.

لم يكن مُر التعلق ختامًا لمسيرتها الكتابية، بل كتبت كثيرًا من الأشياء، منها بعض المجموعات القصصية، وروايةٌ أخرى وكانت سَتُقدِمُها باسمِ «ست الحُزن» هذا العام، ولكن الله أمر بأخذ أمانتُه، فتبقى لنا بعض سطورها الذهبية الجميلة، وحلمها النابض بين إيدينا، في كتابٍ واحد فقط.

هذه هي حياة الكاتبة الشابة الآء الجمل، أملةً في المولى أن أكون قد وفقت في ترسيخ ذِكراها وحياتها بشكلٍ يليق بها وكما قال الله -عزوجل- :«وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيهُ سوف يُرى».

لكِ مني السلام يا الآء، داعية المولى -عز وجل- أن يرزقكِ الجنة دون حساب ولا سابقة عذاب، وأن يجعل مرضكِ شفيعًا لكِ يوم نلقاه، وأن يصب الصبر والسلوان على أهلكِ، عائلتك، أصدقائك، وجمهورك الصبر صبا، تركتِ شقاء الدنيا، إلى نعيم من الله يصبحكِ، على لقاءٍ قريب في جنات عدن وربُ راضٍ غير غضبان، فجميعنا نفر من قدرِ الله إلى قدر الله، رحمة الله عليكِ يا صاحبة القلم المُميز.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!