ابداعات

لذة اللقاء

نور كمور

ترتبط العلاقات الإنسانية بطبيعة فيزيولوجية، فعادة ما يكون الشخص بحاجة لمن يحب قربه، بغض النظر عن نوع العلاقة التي تجمعهما.

طفل بحاجة لحنان وعاطفة والدته الملموسة، أن يشعر بكل نبضة قلب اعتاد قربها، تمده بطمأنينة تساعده في الاستمرار.

صديق يبقى بقرب صديقه، يسانده في القوة والضعف، يكون الطاقة التي تحضك على البقاء، وجود يعزز ثقتك بنفسك، يزيح همومك ويضع البهجة والسعادة مكانها، كتف ترتمي إليه إن أثقلتك الأيام.

وأنيس الروح، متممك، ومن تكتمل به، ومعه، من يسد ثغرات نقصك من لا تكون أنت أنت إلا به، من يفهمك دون حاجة للكلمات، لأنه روح تعشش فيك وتتغلل بأعماقك، فلا تعود بحاجة للكلام.

ثم يظهر ذلك البعد اللئيم الذي تنتجه تبعات طريق الحياة، يدعنا نخطط لمستقبلنا معهم كما نريد، ثم ينفذ ماخطط له.

وتنتشر الأقاويل، ليقولون أن البعيد عن العين بعيد عن القلب، ليس صحيح، كل ما هنالك أن ذلك البعيد عن العين يشتاقه القلب، فالقلب لا ينبض بالحياة إلا بقرب من يحب، وإن غاب عنه مرِض، هذا القلب ضعيف الحيلة، أضناه البعد حتى بهت وانطفأ، ليعزّوه بالمراسلات.

هل حقا يعتقد البعض أن بضعة حروف إلكترونية مرصوفة بجانب بعضها البعض على شاشة صغيرة، أو مكالمة تسمع فيها صوتا، وترى وجها يمكنه أن يتظاهر بالراحة والسعادة معك، فقط كي لا يكون الحديث الذي يجمعكما بين فترة وأخرى مليئا بالشكوى والهموم، قد تعيض عن لقاء يجمعكما بمكان واحد بحديث يطول ويطول.

تلك الأشياء الباردة لا يمكنها حتى ايصال مشاعرنا بصدق، لا يمكنها أبدًا أن تعيضك عن لمسة حانية تمدك بالأمان، لمعة عين تتلألأ متراقصة على نوتات توصل صدق الشعور.

همس، تأتأة وحشرجة أعذب من كل الألحان تماشي كل انفعال، إيماءات وإشارات بلغة جسد عشقك تفاصيلها باتت بعيدة عنك، وبقيت ذكراها خالدة تُخيل إليك مع كل حديث بارد خلف الشاشات.

فلا يمكن القول مع كل هذا أن البعد يقتل الشعور، فكما سبق وذكرت أن البعيد عن العين يشتاقه القلب، فهذه الأمور لا يسعها سوى إشعال نيران الشوق المتأججة بحطب الانتظار للقاء يكسر جليد البعد، لتخلق لذة اللقاء.

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!