قصص

أخدود القردة

بقلم: رحمة خميس

1950 اختفاء چيم كارتر
كان چيم كارتر واحدًا من أشهر المتزلجين ومتسلقي الجبال في ولاية واشنجتون، ذهب يومًا مع أصدقائه إلى جبل ساينت هيلين بمنطقة تُسمى أخدود السعدان، وبعد قضاء وقت لطيف على الجبل وتسلقه، عادوا ولكن چيم ترك أصدقائه وسبقهم بالنزول ليقوم بتصويرهم، لكنه غير مسار عودته ولم يجدوه، ظل البحث عن چيم حتى اليوم التالي ولم يجدوا أثره، ولكن بشهادة أصدقائه بأنهم تتبعوا مسار نزوله وجدوا أنه ذهب بطريق خطر وهو عبارة عن 3 أخاديد عميقة، لا يمكن لبشري تخطيهم، وبعد البحث لمدة أسبوعين متواصلين لم يجدوه، هذا الأمر يُرجعنا لذكرى حادثة مشابهة حدثت عام 1924 وكان هناك مجموعة عمال المناجم…..

قاطع قراءة كاميلا للمقال سام الذي كان يُنادي عليها ولم تسمعه بشكل جيد؛ بسبب تركيزها الشديد بالقراءة: نعم سام، ماذا تريد؟
استغرب سام من ردها الهادئ وقال: ما بكِ؟ أُنادي منذ مدة ماذا كُنتِ تقرئين؟
أمسكت كاميلا الجريدة وأشارت إلى المقال قائلة: كنت أقرأ مقال عن حادثة اختفاء لشخص يُدعى “چيم كارتر” اختفى في منطقة “أخدود السعدان” بجبل ساينت هيلين، ولم يجدوه حتى وقتنا هذا.

قاطعها سام قائلًا: متى حدثت حادثة الاختفاء هذه؟
كاميلا: عام 1950، ولكني لم أُكمل المقال لقد قاطعتني سام.
تنهد سام ثم قال: لقد مر عشرون عامًا عليها، أين وجدتِ هذه الجريدة؟
ظلت كاميلا تُقلب بالجريدة في حيرة: اشتريتها من سوق الجرائد القديمة، إنني من هواة جمع الجرائد القديمة وقرائتها.
استغرب سام مما تقوله، فإنها هواية غريبة وقال: لم أسمع عن هواية كهذه من قبل، أنتِ غريبة نوعًا ما كاميلا.
ضحكت كاميلا بعدما تركت الجريدة على مكتبها ثم قالت: أعلم أنها هواية غريبة ولم يسمع بها أحد من قبل، لكنني أحب ذلك.

لم يكتمل حديثهم؛ لأن الرئيس دخل مُسرعًا ثم قال: توجد قضية جديدة، هيا اذهبا لجبل ساينت هيلين، عند أخدود السعدان، هناك مجموعة من الأصدقاء كانوا هناك مات اثنان منهم وتبقى إثنان، ووجدوا بالمكان آثار لحجارة ضخمة كانت تُلقى عليهم، هيا اذهبا.
نظر سام وكاميلا لبعضهم البعض، ثم أمسكت كاميلا الجريدة قائلة لسام: هيا وسوف نتحدث بالطريق.

ذهبا مُسرعين إلى جبل ساينت هيلين، وفي الطريق كانت تقرأ كاميلا باقي المقال حتى انتهت منه وقالت: لقد كان يوجد حادثة مُشابهة لما نحن مُقبلين عليه، عام 1924 كان هناك عمال مناجم بالقرب من الأخدود، وكان لديهم كابينة صغيرة بالأسفل، ولكن عند صعودهم إلى الأخدود وجدوا أربعة كائنات ضخمة أقرب الى القرود، وكان لديهم شعر طويل وكانوا يحذروهم من الصعود أكثر، ولكن كان يوجد شخص معهم أطلق ببندقيته النار على القرود، وعندما نزلوا من الأخدود وعادوا للكابينة خاصتهم، وجدوا حجارة كبيرة تسقط عليهم من الأعلى حتى كسرت سقف الكابينة، وظلوا يلقون بالحجارة على من أطلق النار عليهم، وفقد وعيه.
نظر لها سام ويشعر بالغرابة ثم قال: فقط؟
ضحكت كاميلا بسخرية وقالت: نعم، إن المقال ضعيف، ومكتوب بطريقة بسيطة جدًا، ولا يوجد به معلومات كافية.

وصلا إلى الجبل، ووجدا الجثث مازالت مُلقاة في مكانها، ويفصحها الطب الشرعي، أخذت كاميلا جولة في المكان ولحقها سام يتفحصا المنطقة جيدًا وخاصة مكان رمي الأحجار، يُتابعا مع الطب الشرعي عملهم، حتى وجدوا بعض المتسلقين ينزلون مهرولين ويقولوا بصوت عالي: ابتعدوا ابتعدوا، سوف يُلقون علينا الحجارة.

نظر الجميع للأعلى ووجدوا حجارة كبيرة تسقط من الأعلى، حاول الجميع الهروب وحدثت حالة من الهرج والمرج في المنطقة، ابتعدا سام وكاميلا في مكانٍ آمن لينظرا إلى أعلى في حالة من الذهول مما يروه، وجدا قرود على هيئة بشر بشعر كثيف يُلقون الحجارة وخاصة على المتسلقين حتى فقدوا وعيهم.
وقف تساقط الحجارة عليهم، واختفت القردة من الأعلى، وعاد الجميع للعمل بحذر مرة أخرى، ولحسن الحظ الجثث لم يُلقى عليهم حجارة، وعمل الجميع بشكل سريع حتى انتهوا من العمل خلال ساعة.

عادا سام وكاميلا إلى قسم الشرطة، وفي حالة صدمة وذهول مما حدث وما رأوه، حتى جاء الرئيس إليهم قائلًا: هناك اجتماع مع الوزارة بعد ساعتان من الآن، جهزا كيف سوف تشرحان الحادث بطريقة معقولة، ولا تقولا القرود أمام الوزارة، لن يصدقكما أحد.
قاطعته كاميلا بغضب قائلة: لمَ أيها الرئيس، هذا ما رأيناه حقًا، إن حجم الحجارة ليس بالهين ليلقيه علينا بشري، أشعر أنه كيان…
قاطعها الرئيس قائلًا: لا أريد أن استمع الى التراهات مرة أخرى كاميلا، إن قرائتك لقصة اليوم ما هي إلا محض الصدفة، عليكِ التحلي بالعقل وتحدثي بحكمة، لم ير أحد القرود من الأساس سواكم.

كانت كاميلا سترد بغضب، لكن سام أمسك يدها يحاول تهدئتها؛ لعدم الرد قائلًا نيابة عنها: لا تقلق أيها الرئيس، سوف نستعد خلال ساعتين من الآن.
تركهما الرئيس غاضبًا، تنظر له كاميلا بغضب أيضًا وأفلتت يدها من سام قائلة: كيف سنتحدث في الاجتماع وليس لدينا معلومات كافية سوى مقال مهترئ لا يوجد به معلومات كافية، وسوف يكذبوننا ويقولون إنه قصة غامضة لجذب الناس لقراءة المقال، ماذا سنفعل سام؟

صمت سام قليلًا ثم قال: علينا العودة لسجلات الاختفاء من عشرين عامًا، لحادثة اختفاء جيم كارتر، والرجوع الى 59 عام لحادثة عمال المنجم، لنرى إذا كان يوجد الحادثتين أم لا.
تنهدت كاميلا باستسلام ثم قالت: ساعتان فقط ليس كافيين لنتحدث أمام اجتماع الوزارة ونُطلعهم على أحدث ما توصلنا إليه، لمَ الحكومة تدخلت بهذا الشكل وبهذه السرعة في قضية ليست بالكبيرة.
تنهد سام وقال بسرعة: لا أعلم، أشعر بالحيرة من ذلك، لكن ليس لدينا وقت كاميلا، لن نستلسم، لن نجعل الحكومة تقول أن الحادثتان في الماضي غير حقيقين، هيا لنذهب.

بعد مرور ساعتين، وفي اجتماع الوزراة، وأمام كاميرات وسائل الإعلام، ينتظر الرئيس كاميلا وسام للاجتماع، لكنهم تأخرا، شعر بالتوتر الكبير أمام الحضور، عندما بدأ الجميع بالحديث عن كاميلا وسام وتأخرهم على هذا الحدث المهم، الذي أصبح موضوع رأي عام.
بعد مرور نصف ساعة دخلا سام وكاميلا إلى المجلس بكل هدوء وثبات، ينظران إلى الرئيس الذي يستشيط غضبًا منهم، اقترب سام أكثر من كاميلا قائلًا: أريد الضحك بشدة، الرئيس سوف يأكلنا.

حاولت كاميلا إمساك ضحكتها وقالت: عندما نعود للقسم، سوف يشكرنا كثيرًا على ما سيحدث، إنني أعرفه أكثر من نفسي.
ذهبت كاميلا إلى المنبر للحديث وسط أنظار الحضور، وبدأ الاجتماع بسؤال الوزير لها: أريد أن أعرف ماذا حدث بالضبط، إن العامة مصابون بالذعر مما حدث.
تنهدت كاميلا ثم تحدثت بكل هدوء وسردت ما حدثت وما شاهدته مع سام من الأعلى، تحت تحديقات الرئيس الذي كان يريد تغيير كلامها عن القردة، كما سردت القصص القديمة من حادثة اختفاء چيم كارتر وعمال المنجم بعدما تأكدت مع سام مما حدث لهم، لكن قاطعها المتحدث الرسمي للوزير قائلًا: لكن حديثك عن القردة أمر خيالي بعض الشيء، هل يوجد قردة كما وصفتي بحجم البشر في عالمنا حتى الآن، إنه لخيال سيدة كاميلا.

تنهدت كاميلا من سخرية المتحدث قائلة: لقد حدث الأمر منذ تسعة وخمسين عامًا للحادثة الأولى بنفس المكان، والحادثة الثانية بنفس المكان أيضًا منذ عشرين عامًا، ولم يتحدث عنهم أحد، وتم تسجيل اختفاء كارتر على أنه حالة اختفاء عادية، وتم إصدار شهادة وفاة له بعد أسبوعين من الاختفاء، وليس ثلاث شهور كما نص القانون 207 في حالات صدور شهادات الوفاة بعد ثلاث أشهر من الاختفاء.

حاول المتحدث إخفاء توتره قائلًا: لكن هذا حدث منذ أعوام كثيرة، القانون وقتها ليس كما هو الآن، لا يهم ما حدث قديمًا، يهمنا ما حدث اليوم.
قاطعه سام صاعدًا على المنبر بجانب كاميلا قائلًا: ما حدث قديمًا مرتبط بما حدث اليوم أيها السيد، هذا عملنا ويجب ربط القضايا ببعضهم، لولا قراءة كاميلا لمقالة قديمة عن المحادثتين، لكانت الحادثة تم التكتم عليها؛ لعدم ذعر العامة ولفشل الحكومة في معرفة ما سبب وجود القرود في هذا الأخدود.

استقام الوزير قائلًا: عليك التنحي عن المنبر، واترك الحديث لكاميلا، وإلا سوف يتم فصلك عن العمل لما قلته.
حاول سام التحدث بغضب لكن نظرت له كاميلا قائلة بهمس: هيا سام، سوف أُخرسه لا تقلق.
أكملت كاميلا الحديث نيابة عنه قائلة: اعتذر عما حدث، لكن ما قاله سام صحيح، القضايا القديمة لها علاقة وثيقة بما حدث اليوم، علينا التركيز عليها ونحاول الربط بينهم، لكن الأدلة التي لدينا قليلة عما حدث في الماضي.

لم يكن الاجتماع مع الوزارة أضاف شيء يريح العامة من حالة الذعر ولا أهالي من ماتوا، وتم التضييق على كاميلا وسام في الحديث، وقال المتحدث في نهاية المجلس رأيه، بأن من هاجم عمال المنجم قديما كانوا شباب أرعن يقذفون الحجارة بشكل عشوائي من فوق الأخدود، بدون معرفتهم بوجود عمال في الكابينة، وبطبيعة الحال قال العمال بأنهم رأوا قردة على هيئة بشر من الذعر، وفي حالة اختفاء چيم كارتر لم يتم إثبات بأن سبب اختفائه هم القردة، وهو اختفى لسبب غامض لا نعرفه حتى الآن، وأن ما حدث اليوم ليس إلا زلزال تنبأت به هيئة الزلازل في هذا المكان قبل اسبوعين، وأن ما قاله سام وكاميلا عن القردة ليس حقيقي، وإنها مجرد هلوسات من الصدمة كما حدث لعمال المنجم.
وانتهى الاجتماع بما قالته الحكومة من تحليل ليس له أي قيمة، حتى يتم اسكات الناس عما حدث.

عاد سام وكاميلا إلى العمل مرة أخرى بعد سيل من توبيخات الرئيس لهما وما حدث بالاجتماع، تحدثت كاميلا بعدما حاولت الاسترخاء قليلًا: هل يمكن أن يكون ما رأيناه صحيح كما قالوا؟
كان سام مُستلقي على الأريكة المقابلة لها يفكر فيما حدث قائلًا: لا أعلم كاميلا، هل تصدقي ما قالوه وحاولوا تضليل الناس به؟
تنهدت كاميلا بيأس قائلة: أحاول إقناع نفسي به، لا أعلم لمَ الحكومة أرادت تضييق الوقت علينا وأقفلت القضية على ذلك الهراء، يوجد سر وراء ذلك.
أكد سام على كلامها: وهذا ما قلته، منذ متى والحكومة تتدخل في عملنا وخاصة قضية ليس بالكبيرة مثل هذه.

ذهبت كاميلا إلى مكتب الأدلة لتُعيد الأدلة القديمة كما كانت، وأثناء عودتها مرت على مكتب الرئيس وسمعته يتحدث بصوت خافت، لكن كان صوته مسموع لها.
عادت مُسرعة إلى المكتب وأغلقت الباب ورائها بإحكام قائلة: حمدًا لله، لم يراني أحد.
ذُعر سام مما يراه قائلًا: ماذا حدث كاميلا؟
تنهدت وأخفضت صوتها قائلة: لقد سمعت الرئيس يتحدث في مكتبه مع الوزير بصوت خافت، لكن صوته كان مسموع لي، قال بأن يتم اقصاءنا عن قضية الأخدود، ويتم قفل المنطقة ولا يذهب إليها أحد؛ لأنها حقل تجارب.

صُدِم سام مما سمعه وقال: حقل تجارب؟ ماذا يقصدون بحقل تجارب؟
كاميلا: ألا تعلم حقًا؟ إنه حقل التجارب الذي سمعنا عنه في الفترة الأخيرة، لصنع مخلوقات جديدة هجينة بالبشر، وإن ما رأيناه ليس إلا مسوخ بشرية، الأمر الذي انتشر وحاولت الحكومة التكتم عليه وقالت بأنه تراهات، أرأيت، لقد شعرت بأن الحكومة متورطة في ذلك، ماذا سنفعل سام؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي هكذا ونترك القضية ونجعلهم ينتصرون علينا؟
سام: ليس علينا إلا السكوت عن ذلك، الأمر أكبر من سلطتنا كاميلا.
كاميلا: هل سوف نصمت هكذا بطريقة انهزامية؟
سام: لا يوجد بين أيدينا حل كاميلا، إن مشاريع المسوخ البشرية وتخليق بشر هجينة بين البشر والحيوانات، مشروعات يتم تمويلها من جانب أكبر من سلطتنا، ومهيمن على العالم بأكمله، إذا تحدثنا سوف يُقضى علينا بكل سهولة عزيزتي، ولا أريد تعريضك للخطر.

اقترب منها سام واحتضنها لعله يمتص بعضًا مما تشعر به من حزن واستسلام: سوف يحدث كاميلا ونتحدث، إنه ليس الآن، ولكن سوف يأتي اليوم ليتم فضح مخططاتهم، ولكن يا عزيزتي علينا التحلي بالصبر، ونبحث أكثر في هذا الأمر، وتكون حُجتنا قوية لمواجهة التيار الجامح.
النهاية

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!