ابداعات

تحت بيت واحد

✍️ندا محمود أبو المجد

أنظر لذلك الإطار المتهالك، أمعن نظري فى الفتاة ذات الرداء الأبيض، ذات الابتسامة البلهاء وأراك جوارها واضعًا كفيك عليها بنظرة تشبة تربيت الجزار على الشاة، نعم تلك الفتاة هي أنا، أم ينبغي القول أني كنت هي!أشيح بناظري عن الإطار الذي يذكرني بهذا اليوم المشئوم في خزى وأتساءل لما لم أمت عوضًا عن كل تلك المعاناة، أسمع صوته يقهقه عاليًا خلفي مع أولاده، فأنا لا أريد أن يجمعني به شيئًا حتى ولو كانوا خرجوا من رحمي لا أقوى على كرههم ولكنى أود الفرار.

كانت الحياة قاسية تمامًا لتكسرني ولكنها كانت أرحم من أن تحطمني فوكلت لك تلك المهمة، من قائل المثل الشعبي السخيف (اللى اتكسر يتصلح) كيف لي أن أصلح روحي؟ أن أرمم ما بقى من حطام حياتي، مهما حاولت سيظل هذا الكسر موجود مهما مرت السنين ومهما أعتقدت أني تعافيت ستأتي لتضع أصبعك في منتصف جرحي، تخترق كل الأسوار التي بنيتها مع الزمن بسلاسة كالحرير لترسو آخر ما ترسو إلى ألمي، ضعفي، إلى كوني أدلف كل ليلة لحمامي أمام حوض ملئ بماء ساخن يذيب الهموم، أترك هندامي لينزلق عن جسدي الملطخ بالحقيقة بكوني مشوهة وذلك الماء الساخن هو من يكشفني فور اختلاط دموعي وندباتي به.

آهٍ، مر عقدًا من الزمان وأنت ترفض ترك يدي، تعلو وجهك تلك النظرة التي لم يمسها الدهر، أمسكتها أول مره وظننت أنها قبضة من حنان ولم أعي أنها كانت قبضة تَمَلُك، أنانية مطلقة ولكنها كانت حبيسة داخلك، أخفيتها عني لكي لا أهرب، لكي لا تنجو الغزالة من صيادها، قيدت بقبضتك حريتي منذ أبد، ولازالت أغلالك تقيدني للآن حتى طبعت عليَّ أثار قيدك، أناملي الوردية وجسدي الأبيض لم يعد كذلك، ملامحى التي كانت ترى فيك وهجًا انطفئت وغزا الظلام بدني، أغرقتني بيمك ولم أدري أنه بحر ميت.

في كل شجار مر بنا، كنت تختار الفوز لنفسك حتى ولو كان على جثتي، تتركني كالأموات ملقاه على الأرض تعلو وجهك نظرات اعتزاز بفعلتك حتى عندما تكن مخطئًا، أتسائل عما إذا كنت حقًا أحببتني يومًا أم أنك أحببت انعكاسك داخل عيوني؟ أحببت طيفك الملائكي الذي رسمته لك؟ ولكنك لم تبالِ لحبي، لشعوري، لكوني أقف والناس خلفي يصرخون بأنها الهاوية بينما أنا أنظر لكلماتك وكأنها ترصف لي طريق لا يراه سواى.

أتعرف، الشيء الوحيد الذي يتجسد أمامي كل يوم وأنت جواري أني أصبحت هشة، تسقط عني نفسي ورقة تلو الأخرى كل يوم وأنا أنتحب في صمت، تنهشني أنياب حبك كما تدعى في نهم وأنا ابتسم في حبور للألم مجبرة وكأنها قبلات رقيقة تطبعها على جسدي، تحاوطني بيديك وترفعني بخفة عن الأرض معانقًا، فأرتجف يظن الناظرين إن ارتجافة جسدي واصطكاك أسناني خجلًا أو خوفًا من الوقوع ولكن الحقيقة أني أعلم أنك ترفعني عن الأرض وتتخلل يداك ذراعي لترتفع شيئًا فشيئّا علها تصل لعنقي، فتسحب تروحي وتنعم بلذة انتصار أو نشوة مريضة لا أعرف سببها، أعترف أني بالماضي أنسقت خلفك كما تنساق الفراشة نحو النور الذي كلما اقتربت منه ألهب أجنحتها حتى تسحر وتتابع سيرها نحوه على الرغم من علمها بما أوقعت نفسها به.

وبعد عشرون عامًا من الصمت من الشيب الذي أصابني عنوة دعني أعترف أن أسوأ ما في حياتي أن الهروب منك يعني اللجوء إليك، لجلادي، أن الحياة معك هي الموت وإن فررت وتخلصت منك فهي الجحيم، وإنه إن كان هذا هو الحب لي فليذهب حبك للجحيم.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!