ابداعات

يونس| متلازمة البلاليكا

كتب: ناجي شاهين

تقلوظت جلستنا على أجسادنا ما بين جالس وشبه نائم ونائم ومغيب، وما زالت “الأنفاس” تدور باتجاه عقارب الساعة بين أصابع من تبقى منا.
جلستنا في المكان المعتاد لم تتغير وجلساؤنا المعتادين لم يتغيروا فيما عدا فردًا جديدًا انضم إلى عصبتنا هذه الليلة، كسر صمت ألسنتنا متجاوزًا صخب آذاننا المتمزجة بشدو الست على ألحان بليغ قائلًا:

  • هذه ليلة لا تنسى.

لم أشعر بشيء حتى الصباح متأثرًا بجراح غزوة البارحة، كما لم يفق أحد من الندماء الذين قضوا ليلتهم هنا حيث كانوا جد سكارى على أن يرحلوا -اللهم إلا الوافد الجديد- بالمطبخ يعد فنجان قهوة علَّه يتخلص من الضجيج غير المبرر في رأسه.

  • صباح الخير يا “يونس”.
    قلت منبهًا صديقي إلى وجودي فرد بينما هو ممسك رأسه وكأنه على وشك الانفجار:
  • أي صباح يا صديقي إنها الرابعة عصرًا، صدقني هذه آخر مرة أجرب فيها جلستكم القميئة، ولا أريدك أيضًا جزء من هذه الجلسة بعد الآن، فلقد انضممت إليك بناءًا على قولك أنه نشاط لا ضرر منه، والآن وقد جربت يمكنني الحكم بنفسي، وأقول لك يا صديقي أنها آخر جلسة لك أيضًا وستمتنع إما باللين والحسنى أو بالقوة والعصا.
    ابتسمت قليلًا وغبت في ماضٍ ليس ببعيد، أقارن بين تصرف “يونس” صديقي، وبين تصرف شخص كنت أدعوه “صديقي”، عمل جاهدًا ليبقيني فردًا من جماعة الجلسة بحجة أنه يريدني أن أتجاوز محناتي، وأطفو في عالم بلا حدود وكل هذا الهراء، حتى أيقظني “يونس” بنقرة من أصابعه على جبهتي وكأنه يطرق بابًا قائلًا:
  • أفتح يا أخينا.
  • أنا معك يا “يونس” دعني أخبرك عن متلازمة البلاليكا.
  • لم أسمع بها من قبل، أظنها أحد تلك المتلازمات التي تخترعها كلما مررت بموقف.
  • صدقت، البلاليكا هي آلة موسيقية روسية، لكن ليست ما أقصده، هل شاهدت فيلم اسمه “لعبة الست” لنجيب الريحاني؟.
  • نعم.
  • هل تذكر محمود بلاليكا ابن خالة لعبة؟.
  • نعم، ذلك “الآلاتي” الذي أراد من لعبة الاستمرار في الرقص ليجني من ورائها المال بصفته ابن خالتها ومدير أعمالها.
  • هو بعينه، للأسف يا “يونس” أنه في أقدارنا يتواجد أكثر من بلاليكا إما في صورة شخص أو جماعة أو شيء أو حتى شعور، حالة تفرض عليك الاستمرار فيما تعمله مهما كان مهينًا لمجرد الاستفادة المطلقة، ستقابل بلاليكا الذي لا يريدك إلا أن تدمن الممنوعات، فقط لأنك تملك المال الكافي لكليكما، ستقابل بلاليكا في كل موقف تمر به في الشارع، في المدرسة، في العمل وفي كل أركان البلاد حتى لتظن أنك تعيش في مستنقع من البلاليكا، التاريخ يا صديقي ممتليء بالبلاليكا، وأولهم ذلك الذي أبى أن يترك أبانا آدم ينعم في الجنة، سعى أن ينال غضب من الله ويسقط إلى قاع الأرض مغضوبًا عليه حتى لا يظل العاصي الوحيد، مرورًا ببلاليكا آخر ولكنه بحجم مستعمرة كاملة استوطنت أرضًا غير أرضها وجامعة من العدوان مثنى وثلاث لبلاد لم تعاديها، فقط لتتحصل على منافعها الخاصة ومستولية على أراضٍ لم ولن تكن لها مهما طال الزمان، وصولًا لكل أنواع البلاليكا الذين نقابلهم بين أسطر معاناتنا فيزيدونها معاناة.
    كل ما يشغل بالي يا صديقي، لم لا نستطيع مواجهة البلاليكا، لم لا يوجد مصل ضد سمومهم أشخاصًا كانوا أو منظمات، لم لا..
  • أتدري يا صديقي للتو أدركت لم لا نستطيع مواجهة البلاليكا، لأنهم يتخفون تحت أقنعة الصداقة والصدق والوداعة، حتى تتمكن أزنابهم منا، فلا نشعر إلا وقد لُذعنا.
    أنهيت حديثي مع يونس وأنا عازم على تغيير مسلكي، عرفت أنني إذا ما قابلت بلاليكا آخر معناه أن أستدير حتى لا أرتطم بالقاع.

جن ليلي وأنا أجاذب نفسي أطرافها، لم تفضني سوى طرقات على الباب، فما وجدت بدًا سوى الإجابة لترتطم عيني بوجه بلاليكا باسمًا وما أظن الذئب يبتسم:

  • يا راعي “الهشتكة” أعد الجلسة.
    أغلقت الباب في وجهه وأنا أرد له ابتسامة من فطن الشرك:
  • ليس اليوم يا بلاليكا، ليس اليوم ولن يكون أبدًا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة هافن HAVEN Magazine
Powered by Mohamed Hamed
error: Content is protected !!