نظرتُ إليها بعبوس قائلة: وهل هناك حقائق أخرى مخفية عني؟ لقد أخبرني الشيخ بكل شيء.
- الشيخ أخبرك بنصف الحقيقة فقط يا ياسمين، ولم يريد أن يخبرك ببقية الأمور.
- ضممتُ حاجبي بامتعاض قائلة: لماذا لم يخبرني بالحقيقة كاملة.
- لقد خاف عليكِ من الصدمة والوجع، ليس هين على المرء أن يكتشف بين ليلة وضحاها، أن صديقه المقرب لا يحبه، ليس هين على المرء أن يرى حقيقة أصدقائه، وأن كل ما يتظاهرون به من حب هو مجرد سراب، ليس له اساس.
نظرت إليها باستغراب قائلة: ماذا تقصدين بكلامك هذا يا أمل؟
- يا ياسمين، ليس كل من ابتسم في وجهك يحبك، ليس كل من قدم إليكِ النصيحة تهمه مصلحتك، اتخذني مثال لكِ، انا وثقت بمن لا يستحقون الثقة، استغلوني واستغلوا حبي لهم، حتى قتلوني.
سألتها بكل غضب:
أخبريني مَن؟ مِن حولي يخدعني ويتظاهر لي بحبه، وفي داخله خبث لن ينتهي؟ أرجوكِ أخبريني!
- سهيلة، سهيلة لا تحبك، سهيلة قلبها مليء بالحقد والحسد والكراهية تجاهك؟
سهيلة قامت بسحرك، بسحر أسود فرعوني، والسحر هذا بيتجدد كل عام في العاشر من محرم، السحر الأسود كان مربوط بقدم هذا الغراب المسكين ومعه قطعة قماش من فستانك الضائع، قد سرقته هي دون علمك، فمصيرك كان مرتبط بمصير هذا الغراب، لذلك ظهرت تلك الشيطانة الخادمة للسحر هذا وكانت ستقتلك، مثلما قتلت الغراب، لولا رحمة الله بك.
نظرتُ إليها وأنا أبكي وكأنني لا اصدق ما أسمعه ثم قولت:
كيف؟
سهيلة هي من أخبرتني عن الراقي الشرعي وأخبرتني أن البيت ممتليء بالطاقة السلبية وتسكنه الأرواح الشريرة.
- فَعلت هذا لأجل نفسها، لا لأجلك يا ياسمين، كان من مصلحتها أن تتركِ المنزل هذا، لأنها كانت تعلم أنني سأسأعدك، وسأخبرك بحقيقتها، لأنني حذرتها من قبل أن تبتعد عنك، لأنني لا أريد ان يحدث معكِ مثلما حدث معي، لذلك أتت لزيارتك لتخبرك بأن البيت ممتليء بالطاقة السلبية ومليء بالأرواح الشريرة، كانت تريدك تتركي البيت، حتى لا تعرفيها على حقيقتها.
قطعت كلامها قائلة: ولكن لماذا لم يحكي لي الشيخ عن السحر الأسود؟
- سهيلة أرسلته لكِ وكانت تريده أن يزور الحقيقة وأن يقول لكِ كلام عكس الحقيقة، ولكنه لم يسمع لها، وأخبرها أنه سيحكي لكِ كل شيء، ولكنها هددته.
- أيعقل هذا، صديقة عمري ومخبأي السري تفعل بي كل هذا، أنا شكيت بجميع من حولي، ولكنني لم أشك بها لحظة.
- احمدي الله يا ياسمين أنك مازالتِ بخير.
- شكرًا لكِ يا أمل، لولاك أنتِ ما كنت عرفتها على حقيقتها.
بعد لحظات قليلة، وجدت هاتفي يرن.
- آلو، من المتصل؟
- أستاذة يا ياسمين، أنا رئيس القسم، أرجو أن تأتي لي حالًا، لقد وجدت اشياء مهمة في حل لغز هذه القضية.
يتبع…
استقليت سيارتي بسرعة إلى قسم الشرطة، وما إن دخلت القسم وجدت رئيس القسم يستقبلني…تسآلت متلهفة: ما هي الدلائل التي وجدتها بخصوص حل هذه القضية يا أستاذ محمود؟_لقد بحثت عن سكان البيت الذين قطنوا به قبل عشرين عامًا، وفعلًا كانت مالكة هذا البيت تُدعى أمل، ولكن الغريب في الأمر أن أمل قُتلت في ظروف غامضة، وبعد مقتلها زوجها اختفى، ويُقال أنه هاجر إلى بلد أخرى، وهذا يعني أن وراءه سر كبير لا نعرفه ولا يعلمه أحد غير الله، ولكن أعدك أني سأبذل قصاري جهدي لأصل إلى الحقيقة، بعدها ودعته، واتفقنا ان كل منا يبحث عن حقيقة الموضوع من جهته، أنا سأبحث في المنزل عن أي أوراق متعلقة بأمل وهو سيقوم بعمل تحرياته عن القضية.مرت أيام وليال وأنا وأستاذ محمود نبحث ولكني لم أجد أي شيء في المنزل يتعلق بأمل، وفي نفس اللحظة وجدت هاتفي يرن._أستاذة ياسمين يجب أن نتقابل في أسرع وقت، فلقد وجدت أوراق في غاية الأهمية تتعلق بالقضية.توجهت مسرعة إلى مكتبه وما إن وصلت إلى هناك، أعطى لي بعض الصور والملفات، وقال لي:
_أنظري إلى هذه الصور، وأنظري إلي هذا الملف!أخذت منه الصور والملفات، ونظرت فيه ثم جحظتُ عيني وقولت متعجبة؟_كنت أعلم منذ البداية أن هذا الرجل وهذه المرآة لهم علاقة بمقتل أمل، فقد رأيتهم معًا يتشاركون في مقتلها، وكُنت أظُن أنهم تعرفوا على بعضهم من خلال أمل، وبعد ذلك اتفقوا معًا على الغدر بها، ولكن لم يأتي في حُسباني أبدًا أنهم يعرفون بعضهم من البداية، لم أكُن أظن أبدًا أنهم إخوة غير أشقاء من الأم، وهذا يعني أن دخولهم إلى حياة أمل لم يكنُ محض صدفة على الإطلاق، بل كان كل شيء مُرتب منذ البداية حتى وقعت هذه المسكينة في فخهم._وهذا ما اكتفشته يا أستاذة ياسمين، لقد اعترفوا لي بجريمتهم وأعترفوا بقتلهم لها، وقالوا: “أنهم أتفقوا منذ البداية على كل شيء، أتفقوا أن يدخلوا حياة أمل، وكأنهم لا يعرفون بعضهم، ومع مرور الوقت استطعوا تنفيذ خطتهم، فأصبحت وفاء صديقتها، ومحمد تزوجها، كلامك معي عن هذه القضية وعن ما يحدث معك من أشياء غريبة، جعلني دائمًا في حالة ذهول واندهاش، وهذا ما أثار فضولي للاهتمام بتلك القضية؛ لذلك لم أنام لحظة حتى آتيت بالحقيقة كُلها، والآن أريد أن أخبرك أن العدالة قد تحققت، وسينال المجرمون عقابهم، وخلال يومان، سيتم إرسالهم إلى محكمة الجنايات._شكرًا لك جدًا يا أستاذ محمود، والآن استطيع أن أنام وأنا مرتاحة البال، أستطيع أن أنام لأني نجحت في رجوع حق هذه المسكينة التي استنجدت بي.مرت أيام وأيام وحكم الإعدام أصدر بحق وفاء و محمد، فهمست وقولت: لعل روحك الآن تنام في سلام يا أمل، فقد نال المجرمون جزائهم، أنا أدين لكِ بالكثير فأنتِ من عرفتني من هي الشيطانة الحقيقية التي في حياتي، وأنا أغفل عنها.بعد مرور لحظات وجدت أمي تدخل عليَّ الغرفة وتخبرني أن سُهيلة بإنتظاري._من الجيد انها أتت يا أمي، فهناك تصفية حساب بيننا ويجب أن نتحاسب، سأخرج وأقابلها._ماذا تقصدين بتصفية الحسابات يا ابنتي، أنا لا افهمك؟_ستفهمين في الوقت المناسب يا أمي، سأخرج وأقابلها حالًا._أهلًا، أهلًا يا سُهيلة ._أهلًا يا ياسمين، أين اختفيتي كل هذه المدة؟ لم يحدث بيننا تواصل منذ أكتر من أسبوعان، هل أنتي على ما يرام؟_نعم، انا على ما يرام لأني اكتشفت حقيقتك الدنيئة، أخبريني يا سُهيلة لماذا تكرهني هكذا؟_ ماذا تقصدين بكلامك هذا؟ طريقتك في الكلام معي مُتغيرة كثيرًا، هل حدث شيء ما، هل أنا صدر مني رد فعل أغضبك مني؟_لا لا، وهل يجرؤ الشيطان، أن يصرح ويعلن عن عداوته بالإنسان مباشرة؟ المشكلة الحقيقة هو انكِ لم تصرحي عن كرهك لي من قبل، ولكن كنتِ تطعنيني بظهري، أعطيت لكِ الأمان وذبحتني بخنجر مسموم._أنا لا أفهم كلامك يا ياسمين ماذا تقصدين؟_أقصد السحر الأسود الذي قمتِ به لسحري وتدمير حياتي، ماذا فعلت لكِ حتى تكرهيني هكذا؟_من أخبرك بهذا يا ياسمين؟ الشيخ؟! لعنة الله عليه الكاذب._الشيخ لم يخبرني بشيء، ولا تجوز اللعنة عليه ابدًا، بل أنتي الملعونة، لقد ضحيت بدينك لأجل تدمير حياتي فقط، ونسيتِ قول الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} و نسيتِ أن الساحر والشخص الذي يتعلم السحر لإيذاء غيره كافر في قوله تعالى ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ﴾، سلمتِ نفسك للشيطان مع الأسف، ولكن كل الذي أريد معرفته الآن، ماذا فعلتُ لكِ حتى تكرهني هكذا؟_انا لم أشعر اتجاهك بشعور الحب من الأساس، طوال عُمري أكن لكِ الكراهية وعدم التوفيق، أخبريني هل انتِ أفضل مني ليحبك الجميع وأنا لا؟ هل انتِ أفضل ليكرمك الله كل هذا الكرم وأنا لا؟ صحيح أريد أن أخبرك أن السحر متجدد سيتجدد من تلقاء نفسه، ولن تستطيعِ الهروب من القدر الذي قدرته لكِ يا ياسمين._لم تخبريني بشيء جديد، أنا أعلم أنه متجدد منذ أن عرفت حقيقتك، ولكن أعلم أيضًا أن الله هو الحافظ والحامي، سيحميني منك، ومن شياطينك، ومن حسن حظي أن الله كشف لي كيدك وحقيقتك، وأدركت في النهاية أنني كُنتُ مخدوعة فيكِ، والله وحده هو من يعلم ماذا كان قد سيصابني من أذى إذا استمر وجودك في حياتي اكثر من ذلك؟ لأ أريد أن أراكِ، أخرجي خارج حياتي، لا أريد أن أراكِ مُطلقًا حتى لو صدفة في أي مكان، والآن أخرجي خارج منزلي._
ستندمين يا ياسمين ولن اتركك.مرت أيام وأيام وأنا بمفردي، ولا أنكر انني شعرت بالوحدة بعد خروج سُهيلة من حياتي، ولكن الشعور بالوحدة خير لك من أن تعيش وسط منافقين يتمنون لك الأذى.
حياتي تغيرت للأفضل وأنا تغيرت وانقلبت شخصيتي ١٨٠ درجة، تقربت من الله، وعلمت أن القرب من الله هو الملجآ الوحيد للأمان والسكينة، وأريد أن أعترف بشيء واحد فقط قد تعلمته من قصتي هذه، الصداقة كلمة غالية لا تُطلق على كل عابر سبيل يدخل حياتنا، بل الصداقة كلمة نعيشها وندركها بأعيننا فمن خاف علينا كما يخاف على نفسه هذا هو الصديق الحقيقي، وقد تعلمت من قصة أمل أيضًا أن الغدر لن يأتيك إلا من أقرب الناس لك، فكن على حذر دائمًا، حتى لا يغدر بك المقربون، ولذلك منذ البداية يجب علينا اقتناء الناس التي تدخل حياتنا، وإلا سيكون مصيرنا جميعًا مثل مصير أمل.
