ابداعاتقصص

الغرفة 1070

بقلم/رحمة خميس

دخل يزن إلى مكتبه؛ فرحًا للقاء الأسبوعي الذي ينتظره مع رئيسه سليم، يتحدثوا به عن قضايا خلت لا حل لها، دخل يحمل القهوة له ولسليم قائلًا: أيها الرئيس، لقد جئت، تفضل قهوتك.

ضحك سليم وقال: شكرًا لك أيها الطفل، اجلس هنا.

يزن: ألن أذهب للبحث عن صندوق أدلة لقضية خلت؟

سليم: لا يزن، قضية اليوم قديمة جدًا، وليس لها سجلات لدينا؛ لأنها حدثت بالولايات المتحدة بولاية تكساس، قرأت عنها منذ مدة وأردت مناقشتها معك.

أمسك كومة من الأوراق وأعطاها ليزن ليبدأ بقراءتها: قضية تكساس فندق الرئيسأشهر فنادق الولاية، 2 يناير عام 1935، دخل شخص مجهول إلى الفندق أراد حجز غرفة معزولة ليس بها أي نوافذ وفي طابق علوي؛ حتى لا يطّلع أي حد على ما يفعله، ولكنه سجل بإسم مستعار ليس حقيقي رولاند أوين، حيث حجز الغرفة 1070 في الطابق الخامس عشر.

حديث الشاهدة ماري تشوي وكانت العاملة في الفندق:

عادة أذهب إلى الغرف؛ لأنظفها في وقت معين من اليوم يكون النُزلاء فيه بالخارج، لكن عندما ذهبت لغرفة السيد أوين، حاولت فتح الغرفة لكن كانت مغلقة، طرقت الباب عدة مرات حتى فتح لي السيد أوين، وكانت الغرفة غارقة بالظلام الحالك، قلت له سآتي للتنظيف في وقتٍ آخر، لكنه رفض وقال لي أن أدخل لأنظف، عندما دخلت وجدت رموز غريبة مرسومة على الحائط والأرض، والذي جعلني أراها المصباح الكهربائي الصغير الذي أضاءه السيد توين.

شعرت بالرعب الكبير، لكنني حاولت التماسك وظللت أنظف الغرفة، وأخذت جميع المناشف والمناديل، حتى آتي بالجديد بعد قليل لأجد الغرفة على غير ما تركتها، وكانت فوضوية بدون سبب، والسيد أوين يلقي جسده على السرير ويغط بنومٍ عميق، ووجدت رسالة بجانب الطاولة القريبة من السرير محتواها ” دون سآتي في غضون 15 دقيقة انتظرني”.

لم أفهم أي شيء، وخرجت من الغرفة بعدما وضعت المناشف الجديدة، بعد يومين ذهبت لتنظيف الغرفة مرة أخرى في العاشرة والنصف صباحًا، لكن وجدت الغرفة مُغلقة من الخارج فظننت أنه خرج وفتحت الغرفة بالمفتاح معي، لكنني تفاجئت بوجود أوين بالغرفة يجلس على كرسي في زاوية من زوايا الغرفة في الظلام الحالك، ويتحدث إلى الهاتف ويقول: لا لا، لست جائعًا، لقد تناولت فطوري للتو.

عدت في الرابعة عصرًا لإحضار المناشف الجديدة، لكن وجدت شخصًا آخر بالغرفة مع أوين وطلب مني أن أغادر، عندما قلت له أنني أحضرت المناشف قال لي أنهم لديهم ما يكفي منها، لكنه كان يكذب؛ لأنني اخذت جميع المناشف والمناديل بالغرفة.

قطع تركيز يزن سليم الذي قال فجأة: أين وصلت بالقراءة؟

يزن: سأبدأ بقراءة كلام الشهود

سليم: أنت بطيء بالقراءة، هيا أسرع حتى نتناقش.

عاد يزن إلى تركيزه مرة أخرى وتابع القراءة في الورقة التالية:

حديث الشهود

الشاهد الأول: اسمي جان توين، أتيت لتكساس لمقابلة صديق لي ولكنّي أردت الاستراحة من الطريق، فذهبت لفندق الرئيس وحجزت الغرفة رقم 1065 بالطابق العاشر، وبعد ساعة سمعت صوت ضوضاء من نفس الطابق لاثنان يتشاجران، أعتقدت أنهم رجل وامرأة، وكانت أصواتهم عالية، أردت أن أتحدث إلى استقبال الفندق حتى يتوقف هذا الشجار لكنني تراجعت، ولم أقم بذلك.

الشاهد الثاني: سيدة أعمال كما وصفها موظفو الاستقبال، كانت تأتي للرجال في منتصف الليل وتتردد كثيرًا على الفندق، لكن هذه المرة كانت مترددة، وكانت تريد شخص بالغرفة 1060 وعندما لم تجده خرجت من الفندق.

الشاهد الثالث: يوم 4 يناير

سائق عربة أجرة أُدعى روبرت ساي، ركب شخص غريب أخدته من أمام الفندق، وكان يرتدي شورت قصير وقميص وبدا عليه الهم، عندما ركب قال لي أنه سيقتل الرجل الذي كان يقف معه قبل أن يركب، أصبت بالذعر منه وطلبت منه مغادرة السيارة لكنه رفض وبعد محاولات نزل من السيارة ولم أراه مرة أخرى.

شعر سليم بالملل الكبير فقال بصوت مفاجئ: هيا يزن، أنت بطيء للغاية، لقد مللت حقًا.

لم يُعره يزن أي انتباه وأكمل قراءة باقي الأوراق.

الهاتف المُعطل يوم 5 يناير الساعة السابعة صباحًا

شهادة موظفي الاستقبال

الشاهد الأول: لقد وجدت عُطل مفاجئ بالهاتف بغرفة السيد أوين، وجدته معطل لعدة ساعات، ذهبت بنفسي إلى غرفته ووجدت لافتة مكتوبة على باب الغرفة “ممنوع الازعاج”، قررت أن أطرق الباب عدة مرات ولم يجبني أحد، حاولت فتح الباب لكن دون جدوى فتحدثت بصوتٍ عال وقلت له إن الهاتف مُعطل وعليه أن يقوم بتوصيل أسلاك الهاتف وغادرت.

الشاهد الثاني: عندما استلمت العمل في التاسعة صباحًا، قال لي زميلي أن أطّلع بنفسي على هاتف غرفة 1070 وجدته معطل مرة أخرى، صعدت إلى غرفته وكان معي المفتاح الرئيسي للغرفة، دخلت ووجدت الغرفة بظلام حالك لا يُرى منه، حاولت النظر بالغرفة بالضوء الذي يأتي من الخارج وجدت السيد أوين مُلقى على سريره ويبدو أنه كان بحالة سُكر شديدة وكان يهذي بكلمات لم أفهمها، حاولت إعادة توصيل الهاتف وخرجت بسرعة قصوى.

بعد مرور ساعة وجدت الهاتف مُعطلًا مرة أخرى، فقررت الذهاب لأجد حلًا، لكنني صُدمت بمذبحة دموية بالغرفة عندما قمت بفتحها، وجدت الدماء بكل مكان بالغرفة، كل شيء مُلطخ بالدماء لكن الغريب أنها كانت دماء وردية ليس لون الدم القاتم الذي نعرفه.

ووجدت السيد أوين بزاوية من الغرفة ويضع يده على رأسه، طلبت الإغاثة من زملائي حتى ننقذه؛ لأنه كان حيًا، لكن جسده كان مليء بالطعنات.

تم الاتصال بالشرطة على الفور، وتم نقل أوين إلى المشفى، وتبين أن لديه كسر بالجمجمة، وثقب في الرئة، وتم تعذيبه بشكل كبير، حيث تم ربط أطرافه بسلك الهاتف، وتم طعنه بصدره عدة طعنات، عندما تم استجوابه بعدما كان بحال يسمح بذلك، قال أنه سقط بحوض الاستحمام.

استفاق يزن من تركيزه الشديد وقال باستنكار: ماذا؟ كل ما حدث له ويقول أنه سقط بحوض الاستحمام؟ أهذا كلام سليم؟

سليم: والأغرب من ذلك الكلام أنه لا يوجد سلاح للجريمة، ولا يوجد رولاند أوين، والبصمات التي وجدوها بالغرفة أربعة بصمات بعدما تم تنظيف الغرفة، ولكن الغريب أن البصمات لا تعود لأي شخص، كل شيء بالغرفة كان مفقودًا، حتى أبسط الأشياء كفرشاة الأسنان والمناشف والملاءات، ولا ملابس أوين، وتقرير الطب الشرعي قال أن أوين تعرض للجروح العميقة بجسده منذ بداية اليوم.

يزن: وماذا حدث لأوين بعد ذلك، هل قال شيء آخر بالتحقيقات؟

سليم: لقد مات في يوم 6 يناير دخل بغيبوبة قصيرة ثم مات.

يزن: مات ومعه اللغز.

سليم: نعم، ما رأيك بالقضية؟

يزن: ماذا حدث بعد ذلك؟ هل أحد تعرف عليه؟

سليم بيأس: للأسف لا، حاولت الشرطة التعرف على أسرته، لكن دون جدوى، حيث وضعت صورة له في كل مكان؛ للتعرف عليه لكن لم يتعرف عليه أحد، ولا أحد يعرف اسمه الحقيقي.

شعر يزن باليأس الشديد وقال: القضية غريبة وأشعر بالحيرة، كيف مات ولم يقل على الأقل الحقيقة، كان سيموت على أية حال، من سيصل له بعد موته؟

ضحك سليم ثم قال: أكمل القراءة أيها الطفل الباكي: هناك أشياء غريبة حدثت بعد ذلك.

أمسك يزن بقية الأوراق بلهفة للقراءة لكنه قال فجأة: ماذا عن دون؟ الذي كتب له الرسالة أوين، والذي تحدث مع السيدة ماري، أين هو؟ وكيف أن الشرطة لم تعثر عليه؟

سليم: حاولت الشرطة البحث عنه لكن دون جدوى، وعندما حاول الرسام الجنائي رسم دون من وصف السيدة ماري له لم يجدوه أيضًا.

يزن: ماذا حدث لجثة أوين آنذاك؟ سليم: تم وضعها بمنزل للجنازة لمدة شهرين، لكن في 1 مارس تم الاتصال بمنزل الجنازة، وقال شخص مجهول أنه سيتكفل بجنازة السيد أوين في يوم 23 مارس عام 1935، وبعد الدفن وجدت الشرطة بعض الزهور عند القبر، ومكتوب على بطاقة ترحيب “الحب للأبد، لويس”.

وتبين أنه تم إرسال الزهور من شركة تسمى شركة الزهرة البيضاء، وعندما بحثت الشرطة في أمر الشركة، لم تجد أي شيء مريب وتبين أن صاحب الشركة لم يُرسل أي شيء ولا يعرف أوين ولا يوجد شخص اسمه لويس، ومر عام ولم يحدث جديد بالقضية سوى…وقطع سليم كلامه وأشار إلى باقي الورق بيد يزن وقال: اقرأ البقية، ستنصدم من النهاية.

بدأ يقرأ الورقة التي كان محتواها:

النهاية

في ذلك العام، كان هناك امرأة تُدعى روبي، كانت تقرأ قضية أوين بالصدفة عن طريق الجريدة، وتبين من صورة أوين أنه ابنها ويُدعى أرتميس أونر، غادر برمنغهام عام 1934 بعمر 17 عام عندما غادر لأول مرة، ولم تسمع عنه أي شيء جديد، وكان يراسلها نادرًا ويكتب رسائل بخط اليد، لكنها تفاجئت عام 1935 أن ابنها أرسل إليها ثلاث رسائل مكتوبة على الآلة الكاتبة، واستغربت كثيرًا لأنه لم يكن يعرف كيفية الكتابة عليها.

وقالت أنها تلقت رسائل أخرى بعد وفاته الدليل على ذلك التواريخ عليها.

قلب يزن الورقة لكنه لم يجد أي شيء آخر مكتوب فقال: هذا فقط؟ أين بقية المعلومات؟

سليم: لا يوجد، سوف أتركك لعقلك، ما الذي تعتقد أنه حدث لأوين أو أرتميس؟

يزن: أرتميس أو أوين كان شاب غادر برمنغهام بعمر 17 عام، ووفاته كانت بعمر 18، ليس لديه بطاقة هوية، وشخص مجهول لم يتعرف عليه أحد منذ دخوله الفندق، كان غريب الأطوار قليلًا، لكن كيف لشاب بعمر 18 عام أن يجلس بفندق من أفخم فنادق تكساس عدة أيام وهو بهذا العمر فقط، من أين أتى بهذه الأموال؟ هل كان مُقامر؟ هل كان يتاجر بالمخدرات؟ لا أحد يعلم، لكن التحقيقات عقيمة للغاية أيها الرئيس، الشرطة لم تبحث جيدًا ولم تستجوب جيدًا موظفي الفندق الذين كان لهم تعامل مع نزيل الغرفة 1070.

شعر سليم بالفخر كون يزن بدأ بالتركيز أكثر على ملابسات كثيرة قائلًا: ماذا تقصد لا أفهم ؟

يزن: أقصد أنه عند التحقيق بأي قضية يجب أن أقوم باستجواب جميع من كان لهم تعامل مع أوين حتى موظفي الفندق، أنا لا أصدقهم حتى تثبت براءتهم من هذه التهمة، يجب عند التحقيق أن أضع باعتباري أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن الشرطة لم تفعل ذلك، ولم تقم سوى باستجواب عقيم فقط للشهود، ولم تشك بهم للحظة واحدة أن شاب بهذا الثراء الفاحش كان مطمع لأي شخص، كان مطمع للسيدة ماري أو موظفي الفندق، واستغلوا أنهم لديهم مفاتيح الغرفة وقاموا بقتله لأخذ مقتنياته وأمواله التي بالغرفة، أو أن دون صديقه المجهول من قتله، أو الشاهدة التي رآها موظف الاستقبال التي كانت تتردد على الغرف، وصعدت وظلت تبحث عن شخص مجهول، الجميع مشتبه بهم.

سليم: تحقيقات الشرطة آنذاك كانت غريبة ولم تكن ذات جدوى، حتى والدته التي ظهرت بعد عام أرادت فتح القضية مرة أخرى، لكن الشرطة رفضت بشكل قاطع وأيدت القضية ضد مجهول.

يزن: هناك تفسير ثالث أعتقد أنه مجنون قليلًا، لكنه يناسب هذه القصة الغامضة.

سليم: ما هو؟ القصة بأكملها غامضة ومثيرة لن تأتي على تفسيرك.

يزن: الغرفة بحد ذاتها ملعونة ولها علاقة بالسحر والجن، ألم تتذكر ما قالته ماري عندما دخلت الغرفة لأول مرّة؟ قالت أنها وجدت رسوم غريبة ومخيفة على الحائط والأرض.

سليم: هل تصدق ما قالته ماري؟ أراهن أن ماري هي الرأس المُدبر لذلك، ألا تتذكر أن البصمات التي وجدوها بالغرفة لم يتم التعرف عليها، ولم يوجد مناشف أو فرشاة الأسنان أو أي شيء يخص أوين، لم يتكلف بهذه المهام سوى ماري، وكانت تذهب لغرفة أوين كثيرًا من حديثها.

يزن بتركيز شديد: ماذا تقصد؟

سليم: أنا أؤيد الاقتراح الأول، أن أرتميس أو أوين كان شاب صغير بالعمر وجلس في فندق فخم للغاية، جعله مطمع لماري وموظفي الاستقبال، وقاموا بترتيب هذه القصة للتخلص من أوين، وأخذ جميع ما يملكه واستغلوا أنه كان يقوم بالسُكر دومًا، وأنه لم يتذكر أي شيء.

يزن: لكنه كان في وعيه عندما وجدوه بالغرفة مُلطخ بالدماء الوردية، لكن صحيح ما قصة لون الدماء الوردية هذه؟ لا أصدقها صراحةً.

سليم: ولا أنا، هذه القضية بها مفقودات كثيرة، لو كانت حدثت في وقتنا الحالي لكنا وجدنا الجاني سريعًا.

يزن: تقرير الطب الشرعي لم يذكر أي شيء يتعلق بلون الدم؟

سليم: لا، وهذا ما يُشعرني بالغرابة.

يزن: لماذا عرضت عليّ هذه القضية الغامضة؟ ليس لها حل كسابقتها، أشعر بالشفقة على موت أوين بهذه الوحشية، أيًا كان ما مر به، أو ما كان يفعله لما كان يجب أن يُقتل بهذه الطريقة، أرغب بقتل ماري وموظفي الاستقبال.

سليم: الدرس الثاني لا يجب أن تتحكم بك عواطفك في العمل يزن، عملنا هو إحكام العواطف والسيطرة عليها، يجب أن نجعل تعاطفنا بمحله ويدفعنا لحل اللغز، لا تجعلها تؤثر على عقلك وتقوده، أراك الاسبوع القادم بقضية جديدة.

النهاية.

اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات اطلب برنامج ويبو للمدارس والجامعات
error: Content is protected !!