هاجر متولي
تقول:
أخبرتني والدتي أن هناك من تقدم لخطبتي، وكالمعتاد رفضت الأمر دونى أدنى تفكير، أخبرتها أن هؤلاء الرجال لا يتقدمون إلا رغبة في الحصول على امرأة تكون خادمة لهم، وليس ونس وسكن كما يدعون، فلا تكوني طيبة كثيرًا يا أمي، فالسيئون كثيرون في الخارج.
لم تقتنع والدتي تلك المرة، بل وبختني، فأنا أرفض بلا أدنى تفكير، وأرفضهم دون أن أراهم ولا أسمح لهم بدخول البيت، وأحاول أن أجد لها عيبًا في كل من يحاول التقدم، وبذلك أتخلص منه بشكل نهائي.
كانت والدتي تحاول أقناعي فقد بلغت الثلاثين، ولازلت ارفض لأسباب غريبة ووهمية كما تسميها هي، حتى توقفوا عن القدوم خوفًا من أن أرفضهم.
فربما لدي رهاب من فكرة الزواج، رغم أن كثير منهم على قدر من العلم والأخلاق وفير، ولكن لا أعلم ما السبب الأساسي في ذلك أهو خوفي على ترك أمي، أم خوفي من المسئولية لربما لم أتمكن في جعلها بصورة لم تليق بي.
فأنه لأمر رهيب، انتقال الفتاة من غرفتها الصغيرة إلى منزل كبير، يتكون من عدة غرف، ووحدها المسئولة عن نظافتهم وتجمليهم، وان تكون مصدر امان وبهجة للجميع… أن تترك دلال أبيها وحنان أمها، وتصبح في كنف رجل آخر لا تعرف عنه إلا القليل، أمر ليس بهين.
وأن تكون النصف الآخر لصاحبه فهذا يتطلب الكثير من الحنكة والصبر، وأن تعرف جيدًا كيف تصبح ملاذًا يلجأ إليه حينما تضيق به دنياه أمر يحتاج الكثير من الفطنة والهدوء.
رغم كوني متعبة من كوني وحيدة في الطريق كعصفور في المطر وحيد، وأعلم أنني مخطأة في حكمي على الكثير، ولكن هناك ما يقيدني ويمنعني حتى في التفكير.
ولكن تلك المرة قد عزمت أمي على أستقباله دون الاستماع لي، وهذا ما جعلني أفكر مليًا في ايجاد ما يجعلها ترفضه، فكرت في الف طريقة وطريقة، كنت كمن يجهز نفسه لحرب يريد الفوز فيها مهما كان الثمن غاليًا.
لمحته من نافذة غرفتي يخطو بثبات نحو مدخل بيتنا مع بعض من أفراد أسرته، كانت ملابسه مهندبة، وابتسامته عذبة، ونبرة صوته توحي بالكثير، ومع ذلك بقيت مصرة على رفضي له.
أخبرتني والدتي أنه يطلب رؤيتي، وما أن دخلت غرفة الضيوف وجدته بمفرده، أبتسم وهو يسرد لي ما أود قوله له: أعلم أنك لا ترغبي برؤيتي، وأجد أنك على صواب تام بما ترينه في الكثير، فالعالم قد أصبح مليئًا برجال لا تليق، أعلم أنك ترفضين كل من يتقدموا لخطبتك، فأنتابني شعور لمعرفة ما السبب، فتمهلت ولم احاول الاقتراب حتى أفهم، ووجدت أن سبب رفضك للكثير أنهم لم يكونوا على وعي تام بطبيعتك، ولم أت إلى هنا الا بعد علمي عنك الكثير.
أنا أعرفك بما يكفي، ربما أكثر من نفسك، أعرف ما يسعدك وما يبكيكِ، وأكيد أن صبري الطويل حتى أصل إليك كافٍ جدًا ليخبركِ أن قدومي إليك هنا يعني أن أتقبل كل ما بكِ.
حدثت نفسي والدموع تكاد أن تنهمر من عيني، مضى وقت طويل لم أبكِ فيه أمام شخص غريب، فقد عزمت من وقت طويل أن اكون قوية ولا أضعف أمام أحد، لكن كلماته جعلتني أشعر أنه قد عاد لي الحياة مرة أخرى، أنه أستطاع أن يفهم ما لا تذكره له، ورغم رفضي له تقبل حدتي، يعلم حقيقة ما يكن بي قبل أن افصح له، فما أردت إلا أن أجد سند اتكأ عليه، وونس حق لا اكون له جارية فحسب، أريد رجل يجعلني أشعر أني جزء منه، لا ملكًا له.
حينها أبتسمت وسألته: ماذا عن شروطك؟
قال: شرطي الوحيد هو أنتِ.
واستكمل حديثه معها قائلا: وأنتِ ماذا تريدي؟
فأجابته بأبتسامة رضا: أريد أن يكون بيتنا صغيرًا ومنعزلًا ومحاطًا بالورد، تنيره الشمس ولا يعرف طريقه إلا من نحب، له شرفة مطلة على حديقة صغيرة وسماء واسعة، بها، زاوية محسوبة بدقة حتى أنظر لك منها وأنا أودعك بأبتسامة داعية ربي أن يعيدك سالم لي.
وحينها ايقن أنها قد تقبلته، فأبتسم لها قائلا: وأنا أقبل وأريد.