روان خباز الحلبي
“دِمشقيةَ”
الروتين المسائي نفسه يوميًا، أرتدي ملابس النوم، أسرح شعري، أجدله، أضع عطري، واذهب لفراشي لقراءة أذكار النوم، لكي أحظى بقسط من الراحة بهدوء، ولكن على غير العادة أمسكت الهاتف وبدأت أتصفح به، فجأة أتت رسالة من شخص غريب، في لحظة واحدة شريط ذكرياتي بدأ يعرض أمام ناظري، نفس المشاعر الرعب الحزن، الخذلان والكسرة.
الإحساس نفسه راودني، بالرغم أنني لا أعلم من المرسل، ولكن إحساسي، أكره إحساسي في بعض الأحيان لإنه يخبرني بأسواء الأشياء وتحصل، أعرف أنها نعمة من الله، والحمدلله عليها، ولكن في بعض الأوقات قد تكون نقمة.
قطع حبل أفكاري رسالة أخرى
_مساء الخير، هل أنتي مِستيقظة؟
_مساء الخير، من معي؟
_ألم تعرفيني من رقمي؟
_لا لم أعرفك، من أنتِ أو أنت؟
_ أنا مستوطن ذلك القلب سابقًا، أنا عمار.
_من عمار؟
_ألم تتذكريني بعد؟!
توقفت ثواني عن الإدراك، ذلك الاسم الذي تمنيت حذفه من قاموس الأسماء، ذلك الاسم الذي تمرنت مرارًا على نسيانه، لعنه الله عليك بأي بقاع كُنت، لو أنك أمامي الآن لأطلقت عليك بمسدسي دون أن يرف لي جفن.
_ ماذا تريد؟
_جئت طالب سؤلي وأتمنى أن لا يخيب.
كم هو متعشم ذلك الأحمق، وكأنما بيننا علاقة وطيدة ليتعشم، ويطلب أيضًا، قل ماتريد فليس لدي وقت لأضيعه عليك.
_أنا أعلم أنه لا حق لي في ذلك، ولكن في الفترة الأخيرة أصبحتي تغزي منامي وكوابيسي حتى طيفك لم يفارقني قط، قول ذلك علي مرير ولكن أُصبت بسرطان خطير، وأنا في مراحلي الأخيرة، ولم يبقى لي في تلك الحياة سوى ساعات قليلة، جئت أطلب الغفران منك، أعلم تقولي كيف لذلك الوقح أن يتجرأ على طلب ذلك ولكن أعلم أنك ذات قلب عظيم، على الأقل قلت الذي بداخلي قبل أن أرحل عن هذه الدنيا، والأمر في يدك، إما العفو أو لا.
شريط ذكرياتي بدأ ينعرض أمامي لحظة بلحظة وكأني أعيش مشاعره الأن حقًا، من أول يوم تعارف، حتى تطور الأمر للصداقة، حتى وصل إلى أعلى درجات الحب، بالنسبة لي فقط أماهو فقد وصل إلى حد الحب وتوقف عن التطور، وصلت إلى الهيام والعشق، وصلت لأعلى درجات الحب والتعلق مع ذلك الشخص، بعد فترة قرر أن يطلب يدي من والدي، لكي تتحول إلى علاقة رسمية ونكمل سير حياتنا معًا، رفضه والدي لأسباب أتحفظ عليها خوفًا على كرامته من الخدش، بعد رفضه تغير كثيرًا، لم يحارب كما قال لي، لم يكافح ويتحدى كل شيء وحاول مرة واثنين وثلاثا، لا هرب أكبر مافعله هو الهروب والإختفاء من الوسط، تركني وحيدة في ساحة المعركة، أحارب خذلان أهلي وحزنهم وغضبهم، أحارب مشاعري، أفكاري، ألمي، تلقيت السهم مِن من علمته الرماية، قلبي يؤلمني، كأنه يضخ ألم مكان الدم، أشعر كأنه سيخرج من داخلي ويقول لي كفى، حاربنا كثيرًا و تألمنا كثيرًا، لن تعطي أحد أي شيء إلا إذا استحقه.
_أرسل رسالة آخرى، سأترك لك القرار، وإن قررتي ارسلي لي قرارك إن كُنت على قيد الحياة، فهنيئًا لي، وإن مت رحمة الله علي.
متى لم يترك القرار لي ذلك المتردد الجبان، في كُل مرة كُنت أقرر أنا وكأن لاوجود له، ماذا سنتحدث، ماذا سنأكل، ماذا سنفعل، وكأن المشاركه محذوفه من قاموس حياته، أقسم أنني وقعت بحبه بشكل كارثي بكل سعادة، شاركته جميع اللحظات ولم يشاركني لحظة، كُنت معه بالفرح والطرح، عند وقعوعه أرفعه، وإن لم أستطيع أسقط معه، قدمت له قلبي على طبق من ذهب، وكل الذي فعله هو أكله بكل شراهة ووحشيه، واعادة الطبق لي خالي إلى من دمائي المُتناثرة عليه.
بعد رفضه عدُنا عدة مرات، وفي كل مرة يتفوه بوعود واهية لا تبت الواقع بصلة، كنت أصدقه أو أحاول تصديقه لا أعلم، كُنت أمنحه فرصة على أمل التغير، تلك الفرص لم تؤذي سواي، في كُل مرة كان يبتر قطعة من قلبي، في كل مرة يبتر شيء داخلي، حتى ستنفذ كُل شيء، ولم يبقى مني سوى جسد بدون روح.
في آخر عودة لنا، لم يكن هو أبدًا وكأنه شخص آخر، بارد كالثلج، مُهمل إلى أبعد الحدود، معاملته كارثية، لايتفوه إلى بالأشواك التي تستهدف ماتبقى داخلي، والأصعب من ذلك أنه كان على علاقة بأخرى، لم أكن أعلم ذلك في البداية، مؤكد كُنت لن أعود إليه، ليس ذلك فقط بل وعقد قرانه عليها، أي نذل هو ذلك الذي يطلب العفو بعد الأذى الذي تسببه لي، كلمة أذى قليلة أقسم برب الكعبة أنها قليلة، أنه مريض نفسي، مريض يتجول بين الناس، ظاهره طيب كما ظهر لي، وباطنه خبيث بئر من الشياطين تقطن داخله، لعنه الله عليه وعليهم.
تدمرت صحتي، نفسيتي، حياتي، وقعت في بئر الظلمات، ذلك الشخص الذي كُنت ادعوا الله أن يُسير أمرنا ويجمعنا في الحلال، أصبحت أدعوا الله أن يقلع جذوره من حياتي من ذاكرتي ومن قلبي، آه على قلبي وعلى الذي حل به بسببي.
أمضيت سنين وأنا أتعالج عند طبيب، أحاول لملمة ذلك الدمار الذي تركه خلفه ذلك المستوطن الصهيوني، وعندما
انتصرت في تلك المعركه عاد بكل بساطة يطلب العفو والغفران، لا يدرك كم الحطام الذي كان بداخلي، كم الألم والحزن والدمار، وكأنما العالم تخلى عني في أكثر لحظة أنا بحاجة ليد تمسك بي، وكتف أستند عليه، كان هو في ذلك الوقت يلهوا ويلعب مع الفتيات.
صحُت من ذلك الصخب القوي الذي كان يضرب رأسي على صوت فيروز.
“تمرق علي أمرق مابتمرق لا تمرق مش فارقة معاي مش فارقة معاي، بتعتب علي أعتب ما بتعتب لا تعتب مش فارقة معاي مش فارقة معاي”
عيوني تزرف الدموع وحدها، لاشيء يدعوا للقلق لن نعود إلى ذلك القاع مجددًا، ولن نسمح للعواطف أن تُدمرنا مرة أخرى، صدقته مرة ولن نُعيد الكرة، فخائن مثله لا يؤتمن ولا يصدق.
بعد مدة أسبوع أرسلت له رساله
_ أنا قررت
_أسمع قرارك مهما كان، أخبريني
يا مستوطن قلبي الصهيوني الوحشي، لا عفا الله عنك ولا سامحك، وإن كان بينك وبين الجنة عفوي لن أعفو عنك، وإن كُنت تموت من العطش وبيدي كأس ماء لسكبته أمام ناظريك ومشيت، وإن أتيحت لي الفرصة سأوجه المسدس عليك وأصيبك في كُل مكان عدا قلبك، سأتركه لتتوسل أن أُصُب عليه، تستنزف دمائك أمامك ولا تقوى على الحركه لإنقاذ نفسك، أعلم العجز شيء صعب، لكنك فعلت لي الشيء نفسه أصبت قلبي بسهمك المسموم وذهب بعيدًا لتتركني أسعف نفسي بشتى الطرق لأبقى على قيد الحياة،
أدعوا الله أن يسقيك من الكأس الذي سقيتني به، نفس الكأس يا الله نفس الألم والخذلان والكسرة، نفس الشيء.
_لكل شخص ثواب وعقاب، وكان عقابي من الله ذلك، أعلم أني شخص سيء، تسببت في دمار حياتك لفترة، ولكن ها أنتي الآن شخص جديد قوي ومتين لا شيء يقهرك ولا شيء
يستطيع تدميرك، أعلم كم أني تصرف بسوء معك، أحزنتك مرارًا، استنفذتي دموعك بسببي، حاولتي جاهدة ترويض ذلك الوحش الذي يقبع داخلي، ولكن في أخر المطاف أنقض عليكي الوحش والتهمك بدون رحمة ولاشفقة، لا أستحق عفوك ولا صفحك، أستحق أن أرمى في قعر جهنم أستحق ذلك بل أستحق أن أموت ألف مرة، عقابًا على ما فعلته بك،
كيف خسرت تلك الجوهرة التي سهرت على حزني ومرضي، على ألمي وتعبي، كانت معي في كل ظروف الحياة، عوضتني عن غياب أمي، ولم تلقى مني سوى الألم والحزن والخذلان،
قعر جهنم تنظرني هي المكان المناسب لي ولأمثالي.
مؤكد بعد كل مامررت به ستخرج نسخة قوية مني، نسخة لا تبالي، جبارة ومحاربة، من عمق الألم تخرج القوة.
أقسم أنه ليس حقدًا، ولكن أن تُخذل من أكثر مكان أمنت به مؤلم مؤلم كثيرًا، لاتحكم على قصة أحدهم ببساطة لإن الشعور مخالف تمامًا للكلام، هل رأيته عم كم مرة عانى، كم مرة بكى، كم مرة صحى على كابوس، على أمل، طيفأحدهم كان يراوده، مؤكد لا، لإن الناس ليس لديهم سوى إصدار الحكم على الناس والتنظير عليهم وزيادة معاناتهم وحزنهم أكثر، لا أعلم في المستقبل هل سأسامح ذلك الوحش أم لا،
لا أدري، ولكن الأن لن أعفوا عنه، يستحق أن يموت مع شعور الندم والحزن، أعتقد يستحق نهاية أقسى من تلك، ولكن فلتكن، فقعر جهنم بانتظاره.
“لا سامحهم الله ولا عفا عنهم، أولئك الذين مروا وضروا وتركوا فينا ندوبًا شوّهت كل شيء جميل بداخلنا.”
“اللهُم أذقهم من نفس الكأس، لا زيادة ولا نُقصان، نفس الشعور، عدلًا ليس حقداً يا الله، اللهم عدلاً في الشعور، لكل من ألحق بنا فرحًا أو حزنًا ردّه إليه بعدلك يا كريم.”