ابداعاتخواطر

الحبُ أعمى … المودة مُبصرة

هاجر متولي 

 

‏أتعرفون لما تخلق الحيرة في مشاعرنا: عندما نبتعدُ و نحن في أمسِّ حاجتنا لمن يحتضن صقيع غربتنا، نتماسكُ ⁩ إذا ما حاول أحدهم لملمة بعثرتنا، نثبت ونحن في أمسّ حاجتنا للإنهيار، نصمتُ و نحن في أمسِّ حاجتنا للكلام، نبتسمُ و نحن في أمسِّ حاجتنا للبكاء، نهرب إلى شوارع الضياع حين تحاصرنا الأفكار.

 

في الحقيقة نحنُ لم تُبكينا تلكَ الأحزان التي أكلَت قلوبنا، ولا تلكَ الأوجاع التي تُرافقنا ما حيينا… نحن نبكي من فرط يقيننا بأننا لا نستحق كل ما حدثَ معنا؛ لأننا ببساطة ضحّينا وتنازَلنا عن أشياء كثيرة كانت تعني لنا كل شيء، ورغمَ ذلك لم نسلَم من الأذى… كل ما أرَدناه حياة عادية خالية من الألم حياة تُشبه قلوبنا ونجد فيها مقابل لكل ما أعطَيناه.

 

إن بعض الذكريات رواية جميلة نستمتع بقراءتها، غير أنها لن تعود، وبعضها الآخر مؤلم كنا نتمنى أن نحرق دفترها، وكأنها لم تكن؛ ولكن انتهى ذاك التمني حين أصبحنا مدركين أننا “تعلمنا مما تألمنا” … تعلمنا أن هناك فارق جذري بين الحب والمودة، وأن لكل منهما علامات تثبت وجوده فينا.

 

أتعرفون ما هو تسونامي الحب؟ هو أن تُعطي كل طاقتك في الحب لمن لقبه قلبك بأنه الحبيب، فيأخذ كل ما تملك من طاقة في العشق ويطلقها عليك مثل اعصار التسونامي في وجهك بالطعنة التي تجعل القلب مشلولًا لا يُبالي لما يحدث حوله، فتغرق أنت، ويبقى هو على بر الحياة يُراقب غرقك في صمت.

 

إذا لم تُتقن فنون الحب لا تقترب، فالحب لا يأتي دون فهم وتعلم، وليس كل من يدعى الحب مُحب… فالمُحب الحقيقي حين يغضب لا يرحل، لا يمل، لا يقسى، لا يندم، لا يؤذي، لا يخدع، لا يكذب، لا يهون عليه من سقط في عشقه؛ فلا يمكنك أن تحب في أول خطواتك في دروبه، ففي الحب لا مجال للمنافسة، فإنه ليس سباق، إذا جعلت من نفسك جائزة ستصبح يومًا ما على أحد الرفوف دون قيمة.

 

فالعاشق للمعشوق متيم، لا يقبل بغيره مهما حدث، يقبله كما هو، يعشق عيوبه قبل مميزاته، يتغاضى عن أخطاءه ويرضى بكل ما فيه، فأنا في العشق لا أرضى بأنصاف العشاق، فهم أطفال لم يفطموا بعد، لا يعلمون إلا البكاء لسد احتياجاتهم، فلا تنخدع بهم فهم الأكثرية.

 

الحب أعمى… والمودة مُبصرة… في الحب تتجاهل العيب، وفي المودة تراه وتستصغره، في الحب بدايات ساخنة ونهايات باردة، وفي المودة حياة واحدة بروحين امتزجَا، في الحب أنانية الحاجة، وفي المودة إيثار، في الحب خوف الافتراق والبعاد، وفي المودة القرب في الحياة والممات، الحب مجنون، جميل، لابد منه لتعرف أنه شعور لا ضامن له، أما المودة فهي حال دائم لمن وصل إليه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!