✍️بقلم / انتصار عمار
قد تُرسل لك الحياة شخصًا تحبه، ولكنها تمنحك شخصًا آخرًا ليكون قدرك، تُقابلك بمن يُشبهك، ثم تعود لتَسلُبك إياه.
وتُلقي بك في أبحر شخص آخر، تلاطمك أمواجه، وتعصف بك رياحه، ولا يجمعك به أي شئ سوى حياة، مسماها حياة،ولكنها في طياتها ليست سوى مجرد أحرف كلمة تُكتب ،وتقال.
فأنت تحيا معه حياة دون روح، جسدًا فقط، حواس تعمل، تتكلم ، وتُشير، إلا أنها لا تَحُس.
فقد فقدت الحس منذ أن غادر حياتك، وهجر روحك من تُحب، وتظل تحياه أبدًا حتى ترحل من هذي الدنيا، ورغم هجره، وبعده إلا أنه يحيا داخلك، يسكن أعماقك، نابض قلبك بحبه.
ولا تستطيع اقتلاع جذور هواه من داخلك، ولو قويت على اقتلاع تلك الجذور، لتوقف نبض القلب عندك، وتوقفت أجهزة الحس لديك تمامًا، ومت فيه عشقًا، ووراك ثرى هواه.
أو تذكر؟ حينما كتبت كلماتي هذي إليك؛
سأعودُ حيثما كنتُ حتى ترتاح
ماعاد لي هنا مكانٌ ولا مستراح
كان قلبك بيتي ومستقري،اليوم ما عاد ومابقي سوى رسم من ردودك لاح.
أو تذكر؟
وردة حييت بين صفحات كتابك، نمت بين أوراقه، نَبضَ قلبها بين أحرف كلماته، عاشت بين سطوره، ظللتها تعبيراتك.
كانت بين أسطره سعادة قلبي، ولكن رغم هنائي وأنا أحيا معك صفحاته، إلا أنه كانت تلوح لي في أفق السماء غيامة، تُنذر بقرب رحيل.
لذا كنت أسارع دومًا بطي صفحاته، وطي صفحتي معه، إلا أنني لم أستطع، ولم أقو، فلو أُغلقت صفحات كتابك، لتوقف نبض تلك الوردة، وتلاشى حسها ، وذبُلت، وماتت.
لقد عشقَت السفر عبر أزمنة كتاباتك، والترحال عبر أسطر كتابك.
جالت معك مدن الهوى، وغاصت في أبحر عبير أنفاسك ؛ تلك الوردة التي نمت بين يديك، وأنت تخُط كل كلمة دونتها في كتابك، ذلك الكتاب الذي أخبرتَ أنه سيخلد عهد الهوى بيننا.
ووعدت ألا يضيع حبي مهما كانت الظروف، وبعُدت المسافات. أو تذكر؟
لقد عشتُ كل حرف بكل كلمة كُتبت فيه،
كان إكسير حياتي، كان بمثابة هرمون السعادة، التي لطالما حدثتني عنها، وجعلتني أحياها رسمًا.
وكم جادلتك بشأن رسم درب السعادة، وكأني كنت أقرأ مكنونات القدر حينما باعد بينى، وبينك.
قرأت سطور الغيب قدرًا ألاَّ تلاقيَ بيننا، وألاّ سعادة تحُط على كوكب قلبي، ولا حياة على سطحه.
ولكني ظللتُ، وظلت أسطورة عشقي عبر فصولك، وآمنت بعهد هواك لي ،وبت أنتظر يوم لقياك .
فيا كاتبًا عن السعادة، وصانعًا من مؤلفاتك مدنًا يحيا بها القارئ، كفى، ولا تحدثني رجاءً مرة أخرى عن السعادة، فهي أشبه بأوراق متساقطة تتلاقى لتكون شجرة جوفاء، لا أساس لها في قلب كل قارئ.
مجرد كتابات يستظل بها الحالم ، المار بطريق صهرت حرارة أرضه شتات أفكاره.
يا أديبًا رأيته دون البشر كلهم، أسكنته قصري، وأصعدته درج قلبي، فتوجته ملكًا عليه، قدر ما عشقتك، قدر ما آلمتني.
السعادة هذه رفاهية لا يملكها الجميع ، ولا يقوى على صنعها أى شخص، فجميعنا يملك القدرة على الحلم، وعلى الخيال، لكن ليس الجميع يمتلك تجسيد هذا الحلم واقعًا.
نرسم آمالًا عريضة، وتأتي أمواج الشاطئ لتعصف بها، وتهدمها.
السعادة هذي مجرد كلمات بكتابك، أرجلها لا تطأ سطح الأرض، عالقة بين السماء والأرض، مرسومة في عين السماء خيالًا نحياه، لا تسكن أعماقنا.
لا نملك مسكنًا لها، وإن أتت يومًا، فهي تأتي صدفةً زائرة، لا تحُط رحالها لتسكن.
يا من ترسم السعادة أحرفًا تزين بها كتابك، وحدك من نسجت حولي خيوط الحزن، وجعلت منها لقلبي موطنًا.
سأظل وفصولك أتسائل لم ؟
لم جعلتني أحيا صفحاتك ؟
لم جعلتني أجاور السحاب ؟ وأصاحب ضوء الشمس؟ وأرافق النجوم ؛ وأسامر القمر ؛ وأبيت وفضاء قلبك، ثم جئت لتحفر بيديك درب عذابي دونك ؟
لم طويت صفحتي بحياتك ؟
مازلت أسمعك، أقرؤك، أنتظر يومًا يُقابلني بك الزمان.
وأرفض ذلك الواقع الذي باعد بيننا ، يا من خدعتني باسم الهوى؛ رغمًا عني مازلت أبكيك حبًا، وليس بيدي.
فمِن أشد عذابات الهوى؛ أن يكون قلبك بين جنبيك، ولكنه لا يقطن داخلك، وإنما يسكن آخرًا، يمتلك قلبك، ويسلب روحك،
وتهجرك جوارحك لتستوطن فيه.
وتهاجر أنفاسك إليه، فيملك كل شهيق وزفير، فتحيا مسلوب الجوارح، والروح، شريد الفكر، فاقد العقل، وكأنما آسرك كلك، وتركك تحيا معذبًا في البعد عنه.
تتمناه، تشتاقه، تتوق لسماع صوته، تتلهف لقراءة رسالة منه، تراه فيمن حولك، وفي كل الوجوه، وتغار من كل من يقترب منه، تسمعه بكل وقت.
يا ساعي البريد أخبر مالك بريد الهوى؛ أنه نقض عهده في الهوى، فما بقي عهد، ولا وعد، وما عاد هناك مكتب مراسلات،
فلقد رحل رسول الهوى.