ابداعات

شاهد على المحرقة

بقلم- جلال الدين محمد:-

 

مرحبًا أنا عبد الله. 

عمري اليوم خمسة عشر عامًا. 

كانت لدي أحلام كثيرة، رغبت في أن يمتلئ جواز سفري بأختام الدول التي زرتها، والمعرض على هاتفي بالصور النذكارية التي التقطها هناك. 

 

حلمت أن أصير صحافيًا لامعًا، وحين ينظرون إلي يقولون ابن غزة الذي قهر المستحيل، وصار من أنجح الناجحين. 

 

ولكن منذ عام تغير كل شيء. 

 

صار أكبر أحلامي أن اكون قطعة واحدة إذا كُتبت لي الشهادة. لا تتعجب يا صديقي فأنا أعيش كابوسًا حقيقيًا، فيه تُمطر السماء علينا النيران وليس الماء. 

 

ألا تُصدقني؟! 

حسنًا سأروي لك قصة 

 

أمس تركت أسرتي وذهبت للجلوس مع صديق لي أمام المستشفى في المخيم الذي صار بيتنا، وفجأة. 

 

استحال الليل نهارًا، الشيء الوحيد الذي ذكرني بأني لست في جهنم، أن هؤلاء الناس لا يذهب أمثالهم إليها. 

 

كل شيء يحترق بالمعنى الحرفي للكلمة، وهنا جاء المشهد الذي لن يُمحى من ذاكرتي أبدًا. 

 

اختي الصغيرة كانت تركض بلا وجهة وهي تصرخ 

احترق يا أبي… احترق يا أبي. 

 

ليظهر أبونا هو الآخر من العدم، وأراه يحترق بدوره هو الآخر، ولكنه أخذها في حضنه ولم تمض ثوانٍ حتى سكن جسديهما المتفحمين إلى الأبد. 

 

تجمدت أطرافي في مكانها، تلك أعلى درجات العجز التي يمكن أن يصل إليها إنسان. 

 

إذا أردت إطفاء أحدهم فأنت لا تستطيع، فلا تملك أي معدات لذلك، وإن تمكنت بطريقة ما فهو لن ينجو؛ لعدم وجود أي أدوية وسوف يتعذب طويلًا، قبل أن يُسلم الروح إلى بارئها. 

 

وعلى مد البصر كانت هناك امرأة تطوف في مكانها بهدوء، بينما جسدها كتلة من اللهب المستعر وكأنها تواسي نفسها، ما هي إلا لحظات وينتهي الألم بلا عودة، ونرى النبي الكريم في جنة الخلد. 

 

هذه المرأة هي أمي وهكذا أصبحت يتيمًا في لحظة واحدة. 

 

في بداية الحرب كنت أقول لن يتركنا العرب والمسلمون وحدنا، الآن أقصى آمالي أن يُدخلوا لي مياه باردة في الصيف، وملابس ثقيلة في الشتاء، أحمي بها نفسي حتى استشهادي. 

 

أنا لا أسامحهم وسأخبر الله بذلك يوم القيامة. 

سأخبره أنهم كانوا قادرين على إنقاذي ولكنهم تركوني يتيمًا. 

 

غزة – دير البلح – مستشفى شهداء الأقصى – تشرين الأول 2024

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!