بقلم : ندى يحيى
طالما كانت ترعبني لغة الأعين، ترعبني أكثر بكثير من قول كلمات فظة تكسر القلب نصفين، طالما كنت أسأل قلبي دائمًا كيف لعيون الأحبة أن تتحدث هكذا دون كلمة واحدة، أن تغوص في العمق من نظرة واحدة وكأننا نسكن أحشاء بعضنا؟
أفهم جيدًا معنى أن ينطفئ سحرك في عين شخص تحبه مهما حاول إنكار ذلك وإيهامك بأن كل شيء يسير على ما يرام، لكن لا شيء جيد هنا في الداخل، ولا شيء على مايرام، هناك ثوران ساكن في عين حبيب يقف أمامك.
في كثير من الأحيان يُقال بأن العيون تكذب، وأن لغة العيون ما هي إلا كذبة اختلقها الأحبة ليقنعوا أنفسهم بأن لا مكان للمسافات والشك والريبة بينهم وأنه لم يعد الفراق خيار بينهم فإن تفارقت الأجساد فلن تتفارق الأرواح.
ولكن مع مرور الوقت وحين تقع في فخ التلميحات ثم الحب ثم الفراق أو حتى الخيانة قبل ذلك، ستدرك أن كل مرحلة منهم كانت لها نظرة مختلفة في عينهم وشعور مختلف في قلوبهم، أتدرك معنى أن تشعر بأن قلبك يُعبر عن نفسه بنظرة واحدة ؟ أو أن يفضح قلب أحدهم صاحبه بنظرة واحدة ؟
أتذكر جيدًا تلك المرة التي فهمت فيها ذلك، نظرة واحدة قد تُذيب كل خلافات العالم ونظرة أخرى قد تؤكد كل الشكوك في قلبك ، مزيج ما بين الخيبة والشوق ستأخذ نصيبك منهم في كل الأحوال.
ففي تلك الليلة تحديدًا كنت أستمع جيدًا لدقات قلبي، فقدت قدرتي على البوح بكلمة واحدة، أسكت ضجيج عقلي ولممت كل أشتات شكوكي وأسئلتي، واجتاحني الصمت عند لقائنا الأول بعد عامين، اكتفيت بالنظر إليه، تاركة لقلبي مساحته في التعبير عن نفسه داخل تلك الحدود التي رسمتها له، أخبرتُ قلبي بأننا فقط سنختلس بعض النظرات لا أكثر .
مع بداية كلماته الأولى نظرت له بقوة كنت أبحث عن شيء ما، وكأنني أردت أن أطمئن بأن روحه مازالت تشبهني، يفهمني جيدًا من النظرة الأولى وكان يعلم أنني أبحث عن شيء ما رغم ضجيج حديثه الذي لم أكن أسمع منه سوى دقات قلبي المتسارعة.
لم يكن لقاؤنا الأول بهذا السوء، فقد وجدت ماكنت أبحث عنه رغم بعد المسافات بيننا واختلاف دوائرنا المحيطة وقلة حديثنا لضيق الوقت، ولكننا مازلنا نتحدث بأعيننا، أراه جيدًا بقلبي كل مرة وأعلم أن مسكني مازال بداخله، مازالت عينيه تخفي مخاوفه التي أعرفها جيدًا ويفضحها قلبه لي عند كل لقاء، مازلت أفهم ما بيننا من حواجز رغم كل ذلك القرب للأرواح، شيء قد لا تجده كثيرًا، ولكن إن وجد فبالتأكيد أنك محظوظ إن حظيت بشخص تراه بقلبك ويفهمك من النظرة الأولى دون أن ترى بداخله ما يكسر قلبك نصفيين، فحتى الحب ذو سلاحين، ربما حب بلا أمل يُصبح عنوان قصتك مع أحدهم، وربما تمنحك الحياة فرصة ذهبية لتغيير مسار القصة .