بقلم – جلال الدين محمد:-
مسرح من نوع مختلف، تأخذ مقاعده شكلًا دائريًا لتُحيط من كل جانب بالبقعة الخضراء التي تُحكى عليها روايته. هي ليست من الخشب، ولا ستار فيها يتم فتحه وإسداله في بداية العرض ونهايته، بدلًا من ذلك تجد العشب الأخضر المنقوش عليه بالأبيض ليمثل المستطيل الذي تطير لدى ما يدور عليه عقول الكبار والصغار.
رياضة أم شكلًا من الفنون؟! لا بل هي أكثر من ذلك بكثير، أخبرني ما الذي يحتاجه مُجتمع ما للقضاء على العنصرية مثلًا، ندوات، محاضرات توعوية، اللعب على النزعة الدينية. هل تصدق أن البرازيل لم تحتاج سوى لفتى أسمر جعلهم ابطالًا للعالم ثلاث مرات ليجعلونه الملك؟!
حرب أهلية في إفريقيا، ولم لا؟! أنا لا أبالغ هنا لكن ما فشل فيه سياسيون ورجال منظمات أممية، نجحت هي فيه وبجدارة، فجعلت جميع أبناء كوت ديفوار يضعون أسلحتهم ليشاهدوا المنتخب الوطني في كأس العالم، ثم يجلسون لجعل خلافهم السياسي من الماضي.
كرة القدم هي الساحرة التي تجاوزت حاجز اللغات والجغرافيا، يمكننا أن نُشبهها بوجبة لذيذة كُل يتذوقها بطريقته. فهذا يُحبها حارة فتجد عروق رقبته مشدودة وصراخه لا يتوقف ويعتبر من لا يُشجع فريقه المفضل عدوًا له، وذاك يُفضلها باعتدال فتجد على مُحياه الوقار، ويستمتع بما يُطلقون عليه مسمى “اللعبة الحلوة”.
هي أيضًا مرآة تعكس ثقافات الشعوب وحكاياتها، وتتعرف فيها على حكايات من بدأت قصتهم في بيئات غاية في الصعوبة، ولم يكن لأمثالهم تحقيق مجد شخصي لولا بساطها الأخضر.
الرائع فيها أنها لا تحتاج ملابس مُعينة ليستمتع بها الفقراء، ولا مُعدات باهظة الثمن لتتمكن من ممارستها، فحتى لو كنت حافيًا على أرض رملية، ولا تملك سوى مجموعة من الجوارب القديمة، يمكنك استخدامها لصناعة كرة، وتعيش ذكريات لا تنساها طيلة حياتك.
جيلنا الذي بدأ تعلقه بها مع تسديدات الكابتن ماجد، ومنافسته مع بسام، كبر الآن وصار مسؤولًا عن أسر، أو مسافرًا بعيد عن وطنه بحثًا عن لقمة العيش، أو مصارعًا للحياة باحثًا عن مكان له فيها.
مهما كان الاتجاه الذي سارت فيه الأمور، تذوب كل الفوارق بيننا حين تنطلق الصافرة وتتحرك الكرة، ولا يشغل عندئذ عقولنا إلا التفكير في لاعبنا المفضل وهو يسدد بإتقان مُحرزًا الهدف، لتنطلق صرخات الفرح.