رياضة

وداعية الأمير

كتبه/ أحمد المقدم 

عندما جئت منذ إثنى عشر عامًا لم يتسنى لأحد من عشاق نادينا أن يلقي بالا للحظة مثل هذه، لم تمهلنا في مبارتك الأولى سوى بضع لحظات حتى أدركنا صحة ما قاله السبيشل وان مورينيو بأنك ستجعل من أوراق العشب أوتارا تعزف بها عزفا منفردا استثنائيا لا يمكن لأحد أن يقوم به سوى لاعبا من طينة الأساطير، فكنا نتلهف إلى الاستمتاع به كل يوم ترتدي فيه رداء الملكي وتخرج إلينا كأمير يرتدي تاجا قد صنعناه نحن له في قلوبنا.  

كان وجهك الطفولي ذو الملامح الهادئة يتماشى مع ذلك العزف الأنيق الذي كنت تعزف أعذب ألحانه في كل لحظة كنت تعدو فيها وتحمل الكرة بين قدميك متطلعين معك إلى معانقة المجد واحراز الأهداف. 

 

لقد كتبت بروحك و إرادة المحاربين التى حملتها على مر السنين أعظم سطور الإلهام و النجاح، فبعد أن كنت طفلا يعدو بقدميه هربّا من أن تتلاشى أحلامه مع انتهاء حياته وقتًا لم يُسمع أهازيج العشاق في مدرجات الملعب بل وابل الرصاص ودوى الانفجارات تحت وطأة حروب دامية كنت أنت بإرادتك من الفائزين فيها بالنجاة، فكان بداخلك الحمض النووي للفوز والتعطش للكفاح من أجل إثبات الذات فكان الناتج ثمانية وعشرين لقبا قد جعلوك تتربع على عرش أعظم قادة نادينا والأكثر فوزا للألقاب على مر تاريخه الممتد لنحو قرن وعقدين من الزمان

 

اليوم وقد عزفت مقطوعتك الأخيرة لربما يعلو على أنغامها صوت بكاء مشجعي البرنابيو والذين أسكبوا الدموع على انتهاء عهد لأمير هو آخر من تبقى من جيل قد ترك أعظم إرث في تاريخ نادينا العريق، لقد غادر الجميع وبقيت أنت كي ترحل اليوم وتجعلنا نعيش آلام الرحيل لمن سبقوك جميعا منذ أن رحل القديس كاسياس و الدون ألونسو مرورا بالأفضل في التاريخ رونالدو كريستيانو وانتهاءا بالمهندس توني كروس، ولكنك ستبقى قصة قد خطت كلماتها بأحرف من ذهب في قلوب جميع عشاق البرنابيو الذين لن ينسوا قصص الجنون في ست كؤوس من ذات الأذنين التى كنت أيقونة فيها جميعا، والتى دفعت نادينا للمضي قدما والسير وحيدا في طليعة الأندية، بل ليكون وبحق سيد أندية أوروبا والعالم

سترحل ولكنك ستبقى في قلوبنا، وسيبقى إرثك خالدا وسيعرف عهدك على أنه عهدا ذهبيا فقد ملأ الذهب فيه متحف نادينا العريق.  

 

سترحل وستظل لمستك الساحرة و تحكمك في إيقاع الفريق دروسا يتدارسها لاعبو خط الوسط في جميع أندية المستديرة حول العالم 

 

سترحل وسيظل اسمك خالدا طالما بقى عشقنا لهذا النادي الأعظم على الاطلاق.  

 

لن ننسى ذلك الهدوء الذي كنت تأتى به إلى العشب ولكنك تحمل بداخلك محاربا قد قهر الحرب بعد أن قهرت بلده سنوات، وعازفا يجعل من العشب أوتارا يعزف بها ألحان الفوز وإحراز الأهداف، وراقصا يداعب بقدميه الكرة فتتراقص معه قلوب مشجعيه في الملعب ووراء الشاشات.  

 

وختاما لا نقول وداعا فليس وداع المحبين وداعا. وإنما هو رحيل قد فرضه القدر و آذنتت به تلك التجاعيد في وجهك الطفولي و التى تخبرنا أن العمر وحده هو من كان له القول الفصل ويبقى اللوم وحده لاثنى عشر عامًا قد مضوا دون أن يخبرنا أحد أن لحظة الوداع قد حانت

هلا مدريد، ولا شيء آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!