ابداعات

لعلها تشفع لي!

 

بقلم – جلال الدين محمد 

 

جرفته أمواج الألم والحزن على جزيرة من اليأس وقلة الحيلة، بعد أن صار مشهد زهور تذبل من الجوع والعطش يوميًا مألوفًا، فلا يتجاوز كونه شريطًا من الأخبار يراه باللون الأبيض على خلفية حمراء كل يوم.

 

لم يستطع ابتلاع لقمته، وأحس بضيق شديد، وكأن طوقًا من الهم قد قيد عنقه، فأصبح الهواء لا يجد سبيلًا إلى رئتيه. وعلى حين غرة منه، جاءه صوت الأذان مواسيًا فذهب إلى ربه ليهديه، فهو من جعل في الصلاة دواء للهموم.

 

أنهى فرض العشاء وسنته، وبينما هم بالخروج من المسجد ليعود إلى عالم أصم، اختار طواعية غض الطرف عن من ربطوا أحجارًا على بطونهم من الجوع، في عالم أحد أكبر مشكلاته إهدار الطعام والسمنة.

 

باغته صوت رقيق لشيخ كان يحكي للأطفال قصة بها من اليقين بالله والتوكل عليه الكثير، عن رجل استدان من آخر وجعل الله شاهده ووكيله على هذا الدين، وحين جاء الأجل لم يجد سفينة تحمله لصاحب الدين، وانقطعت به الأسباب، فأتى بما يبرأ به ذمته أمام الله، فلا يكون أكلًا لحقوق الناس.

 

حفر صاحبنا في خشبة ووضع فيها المال مع رسالة، وألقاها في البحر متوكلًا على الله، ولأن البحر ورياحه جنود من جنود الله، أوصلوا الدين لصاحبه، وبيض الله وجه الرجل أمام صاحب الدين.

 

هنا لمعت فكرة في ذهن صاحبنا، فقال أما استطعت أن أكون مثل هذا الرجل فأوصل ولو لقمة واحدة من الطعام إلى من يحتاجون إليه؟! وانطلق من فوره لأحد محلات البقالة.

 

وبعد قليل كان على شاطيء البحر، وقد ملأ زجاجات بلاستيكية فارغة بشيء من العدس والأرز، ثم رفع يده إلى السماء مناجيًا، اللهم أنك تشهد أنه ليس بيدي أي شيء لإطعامهم، فأني أوكلك أن توصل لهم ولو لقمة مما رميت، باسمك مستعينًا بقدرتك أرميها إليهم.

 

وبكي صديقنا كثيرًا على شاطيء البحر من عجزه وقلة حيلته، وبعد أن هدأت نفسه، واطمأن بالتوكل على ربه، حملته قدماه إلى منزله، حيث والدته وإخوته وأبيه.

 

ماذا تشاهدون في التلفاز؟ هكذا قال، فرد أخيه هذا الرجل يتحدث عن صور لبعض الشباب الذين ألقوا الطعام للمجوعين في زجاجات بلاستيكية، ويقول أن هذا خطر على البيئة، ليرد الأب، صحيح الزجاجات خطر على البيئة ولكن الصواريخ معطر جوي برائحة الخوخ. 

 

ليرتج البيت من الضحك، ويشعر صديقنا بالامتنان بعد أن عرف بفعل غيره من الشباب ما فعل منذ لحظات، لعلها تشفع له ولهم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!