✍️ يوحنا عزمي
انا وانت والجميع غاضبون جداً
من إرتفاع الأسعار الجنوني
ومن موجات التضخم ومن حالة الإقتصاد ، هذا حقنا الطبيعي
هذا الغضب والسخط لا يعنى أننا
لا نحب بلدنا او نتخلى عنه ..
نحن نطالب بمحاسبة المسئول وهذا طبيعي ، وبتغيير السياسات وهذا منطقي ، ولكن نحن نفعل كل هذا علينا اولاً ان نحذر ، وعلينا ثانياً أن نفهم .. من ماذا نحذر ؟
علينا أن نحذر من محاولات اذناب الإخوان للصيد في الماء العكر. التشفي الرخيص في البلد ، تصفية الحسابات الوضيعة تحت ستار الخوف علي الناس من الغلاء والبلاء التشكيك في كل شيء واي شيء ، التقليل من كل ما تم بناءه ..
رغم ان العيب – من وجهة نظر كثير من المخلصين – في إدارة البناء وليس في البناء نفسه ، وبالتالي فإن الإخوان والهاربين والمقيمين في الفنادق الفاخرة في أوربا واسيا ليسوا طرفاً مع هذا الشعب في الأزمة وبالتأكيد ليسوا جزءً من الحل ..
علينا إذن ان نحذر من الإخوان ، وعلينا ايضاً أن نفهم سبب الأزمة الخارجي اولاً ، والداخلي ثانياً ، وعلينا أن نعترف أن أي محاولة لإنكار العامل الخارجي في الأزمة هي نوع من العمي ، واي محاولة لإنكار العامل الداخلي هي نوع من التبرير غير المقبول ..
العامل الخارجي ليس وليد هذا العام او الذي سبقه او الذي سبقه ولكنه وليد تغير النظرة الأمريكية للمنطقة العربية منذ أحداث سبتمبر ٢٠١١ ، ونمو تيارات يمنية متطرفة وحشية داخل الإدارة الأمريكية ، وتغيير التصور الأمريكي فيما يخص الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية والذي يمكن تلخيصه وقتها في الإعتراف بالدول الوطنية العربية التي ورثت الاستعمار التقليدي والتي كان قوامها الجيوش العربية التي وصلت للحكم عقب التحرر الوطني ، نتج عن تغير النظرة الأمريكية النابعة من نهم متزايد للنفط العربي مجموعة من الاعتداءات الوحشية علي الشعوب العربية ..
كان أولها غزو العراق ٢٠٠٣ ، ثم غزو ليبيا في ٢٠١١ واغتيال حاكمها بطائرات الناتو تحت دعوي مناصرة ثورة الشعب الليبي ، ثم إشعال حرب أهلية في سوريا وتمويل تنظيمات القاعدة والإخوان بمليارات الدولارات من دول عربية ليست سوي واجهات مالية ومقار لوجستية للاستعمار الجديد في أمريكا ..
ثم تم إسقاط نظام الحكم في السودان في ٢٠١٩ عقب فترة اضطرابات جماهيرية بسبب ارتفاع الأسعار ، والتضخم ، وقلة الغذاء ، ونتج عن ذلك الإطاحة بنظام حكم كان رغم أي تحفظ يحفظ دماء السودانيين ، ووحدة السودان ، وهو مالم يعد ممكناً الحفاظ عليه بعد رحيله ..
كنت اقرأ عن الأوضاع في هذا البلد الشقيق وسألت نفسي لماذا ظلت الأوضاع الإقتصادية مستقرة هناك طوال ثلاثين عاماً ثم تهاوت فجأة قبل شهور من إسقاط النظام ..
كنت اسأل أي منهما ادي للآخر ..
هل تردي الوضع الإقتصادي
أدي لإسقاط النظام ؟
ام ان من أرادوا إسقاط النظام خلقوا المتاعب الإقتصادية ؟
وهل اختفت المتاعب بعد إسقاط النظام ام تحولت إلي مأساة ومذبحة ومجاعة ؟ …اياً كان الأمر فقد نتج عن هذه التدخلات المباشرة لإسقاط الدول الوطنية إحاطة مصر بحزام من النيران والإرهاب والفوضى والاقتتال الداخلي ، ولم يكن ذلك صدفة ولا خبط عشواء ، لأن مصر نفسها كانت نقطة إنطلاق هذا السيناريو لولا ان لجيشها طبيعة خاصة من جهة ، وان انفلات الأوضاع فيها يمكن ان يهدد أمن إسرائيل ربيبة أمريكا من جهة ثانية ، لذلك لم يجد الأمريكيون بداً من التسليم بأن مصر لا تمس ، ولا يمكن ان يسري عليها ما جري علي الدول العربية الأقل حجماً والاسوأ حظاً
وكان البديل هو إرهاق مصر ، والضغط المستمر عليها ، كان المطلوب ألا تطير مصر في السماء ، وألا تغرق ايضاً تحت الماء مطلوب ان تظل مرهقة تحاول الطفو وتتجنب الغرق ، وتتعلق بقطع من الأخشاب تلقي إليها كلما بدا أنها اوشكت علي الغرق.
هذا هو العامل الخارجي بوضوح ، ومن ينكره فهو أعمي او صاحب غرض .
أما علي المستوي الداخلي فأنا شخصياً أري أننا وقعنا في عدة أخطاء ، أهمها الثقة في حلفاء لم يكن يجب الثقة بهم ، والفشل في إدراك ماهية دورهم الحقيقي في المنطقة وجوهر نواياهم تجاه مصر ، وقد تزامن مع ذلك أننا توسعنا بشكل كبير في استثماراتنا العامة بنية اللحاق بما فاتنا ، ثم كان الخطأ في عدم تغيير الحكومة ، او عدم تعيين مجموعة إقتصادية قوية والخلط بين المسئول عن الإقتصاد والمسئول عن السياسة المالية ..
حيث يمطرنا وزير المالية بتصريحات عن حالة الإقتصاد رغم ان هذا ليس ملفه الأساسي .. والفارق معروف للمتخصصين ، وسنخطأ اكثر كلما أجلنا التغيير في الملف الإقتصادي والسياسي وفي عدم البدء في الحوار الإقتصادي الذي دعا له الرئيس فوراً ..
ورغم ذلك فإن الجميع يخطأ إذا تجاهل دور العامل الخارجي
إلي جانب العامل الداخلي في الأزمة .. اثنان لا واحد هما سبب الازمة .. العدو والمتخاذل .. هذا هما سبب الأزمة .