ابداعات

ذاكرتي مع الخريف!

 

بقلم – جلال الدين محمد 

 

إمدادات لا تتوقف من المناديل الورقية، تشعر وكأن المصنع قد فتح خط توريدات مباشر إلى غرفتي. طاولة مربعة الشكل ممتلئة بالأدوية المدفونة أسفل المناديل، مع أنف متورم وصوت مبحوح، استقبل بهم صديقكم فصل الخريف بسعادة وإشراق.

 

دومًا ما اقترن الخريف بفترة بداية المدرسة، والتي كرهتها صغيرًا بالمناسبة أكثر من أي شيء آخر. ترى خلالها مئات الكائنات الصغيرة، يحمل كل منهم جوالًا على ظهره وكأنه عامل في “الفاعل”، ويبكي لأنه نسي كراسة الواجب في المنزل. هي كذبة شهيرة ولكن المسكين نسيها بالفعل ولم يجد من يصدقه.

 

لم أكن خلال تلك الفترة منتبهًا طوال الصف، رغم إني كنت أصنف ضمن الطلبة المجتهدين. ولكن الرغبة في النوم لم تفارقني منذ الجرس الأول وحتى الأخير، والسبب بسيط للغاية.

 

في غرفتي كان التلفاز، اعتادت أمي على إغلاقه ثم وضعي في الفراش مع الكثير من الوعيد إذا لم أنم مبكرًا، ثم تغلق الباب وتغادر. وبعدها يتسلل صغيرنا بهدوء، ليُشغل التلفاز مُجددًا، لم يكن حافلًا بالكثير فهو لم يحتوى سوى القناة الأولى والثانية، فيجد فيلمًا يعود لحقبة الأربعينات أو الخمسينات، ويبدأ في مشاهدته بهدوء حتى النوم، الذي كان يأتي في الثالثة فجرًا.

 

الرغبة في النوم خلال الصف، كانت تتضاعف مع الزكام الدائم الذي لم يكن يفارقني من بداية العام وحتى نهايته. الأمر كان زائدًا عن الحد للدرجة التي دفعت الأولاد للسخرية والتندر مني بسببه، فدومًا ما شق حاجز الصمت أو صوت المُعلم أنفي وهي تتفاعل بحيوية وانسجام مع منديل ورقي، للحد الذي أخاف أحد المعلمات التي أفزعها الصوت.

 

تُرى أي من هؤلاء الصغار الذين أراهم من النافذة لديه قصة تُشبهني، أو يكره المدرسة بطريقته الخاصة رغم تفوقه فيها؟ لا أدري، ولكني لا أصدق أن هذا الزكام الموسمي ظل مُلازمًا لي حتى مع ظهور بعض الشعر الأبيض في رأسي، وكأنها عادة راسخة بقى جهازي المناعي وفيًا لها. على الأقل تغير شيء ما معي خلال هذه الفترة، وهي أني بالكاد أستطيع النوم لساعتين.

 

الآن علي الاتصال بالمصنع؛ لكي أحول خط إنتاج المناديل من الشقة إلى العمل. لعل أحد الزملاء ينتزع مني هذا الزكام، لينتهي الكابوس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!