مشتهى عوض الكريم
ما كنتُ أبحثُ عنه بين ألآلاف القصص كان لابد أن يكون مطويٌ خلف إقتباس أو رواية هامشية، التقيتُ بها وأنا أتصفح ” الفيسبوك “.
لم أكُن أدرك أن ما تهواهُ النفس سيأتي ولكن كعابِر سبيل، يأتيها من خلف شِباك العادية ثم يُغادر دون أن يترُك من خلفه ذِكرى، يستثيقُها قلبي كلما جارت عليه الأيام وبطشتهُ بِكوارثها، لكنه لم يأبه كعادته .. باء بالفرار دون أن يترك مُبرر، وعدتُ أردد لأحتمي خلف خيباتي بأنها ” مجرد محاولة ” .
لا أعلم كيف تألفُ الروح كل ما يمرُها حتى ولو لبضع ثانية، لا تنسى ما التقتُ به في يوم من الأيام، حتى إذا كانت أغنية عابرة عبر شريطٍ موسيقي في مقهى، أو كلماتٍ قِيلت بلا شُعور، أوصوتٍ خرج من شخصِ قريب، وضحكةٍ عفوية خرجت في لحظة ودِية، كلها تظلّ في جانبِ صغير من القلب وتختبيءُ فيه.
أدركتُ حقيقة أنني أقيمُ في أماكن لم أحلُم يومًا أن أظل فيها، لكن ما دار فيها من أحداث جعل بداخلي رغبةً كبيرة للعودة لذاك المكان وإعادة ذات الأحداث وذات الأشخاص، رغم أنني أعلم بأنه لا جدوى من العودة، فالطرقات اختلفت والأشخاص رحلو، والأيام توالت، ولا ذال هناك إلا مجرد فُتات وذِكرى منسية.
لكن أرآني اليوم لدي القدرة للتصدي تجاه كل الرغبات، تخبرني في كل مرة أنني أستطيع إقتلاع ما ظننته مستحيل، والتخلص عن كل ما كنتُ أقفُ فيه، والتقرُب من الإتزان والإعتيادية المألوفة.
قد تمنحنا الحياة مرةً أخرى لنخوض التجربة، تجربةً مُختلفة بنسخة جديدة تدفعنا لإتخاذ قرار جديد تجاه ما سيسحبنا نحو إكمال الطريق، رغم أنها تُرغمنا على خوضها في بعض الأحيان، لكننا نرفض إلا أن نكون أبطالُ يمثلون في المسرح برغبتهم، ولأنهم يمتلكون هواية التمثيل، والربط بين الواقع والخيال قررو أن يصنعو لهم أماكِن في الصفِ الأول من المقاعد.
في تلك المرة التي لم يرمُقك فيها أحدُ سوى بنظرة الإستخفاف والحِيرة، كان يعلمُ بأنك لن تستسلم، وقرر أن يهدم شجاعتك بدون شعور، لكنك وحدك من يعلم بعدد المرات التي تخلت عنك وأنت لم تتخلى عنها، عن صوتك الداخلي الذي كان يُخبرك بأن لا تتوقف، كنت تمضي بلا عِلم، كثيراً ما كبلتك أحزانك، وضممت دُموعك بين جُفنيك ولم تترُكها تسقط، أقسمت أن لا تجعل من نفسك لُعبة شطرنج يفوزُ فيها من يستطيع أن يُتقن اللعبة، ركلت الماضي المُر، وصنعت لحاضِرك شخصًا جديد لا تُغريه سوى قُدراته الذاتية، وتشوقهُ لفتح الصفحة الأولى التي سيكتُب على هامشها ” المرةُ الأولى لأجلي ”
يُصلح كل ما أوشك على الكسر، يبتسم لكل اللحظات التي كانت تفتقدُ الشعور، ويكتب خيباتهٌ على ورقة ثم يرمي بها على سطحِ البحر، ويودعها الوداع الأخير الذي لا تصحبهُ الحسرة.
فأنت تعرف متى ينتهي السِباق وتفوز فيه، أنت تعرف متى تفرح لكنك جهلت الطريقة التي تجعلك تبتسم، أنت تعرف ماذا تريد لكنك نسيت أنك تستطيع، أنت تعرف متى تبدأ لكنك جهلت نقطة البداية، لذا لا بد أن نُقلع عن ما يُقودنا لطُرقاتٍ قديمة قررنا أن لا نمشي فيها، أن نتخلص عن كل ما يُعيدنا لما وراء السِتار، وأن نحيا من جديد، ونبدأ من حيث توقفنا.