✍️ يوحنا عزمي
رغم كل ما جري على يد دولة الإحتلال في لبنان ، إلا ان تل أبيب فشلت في تدشين مرحلة “ما بعد حزب الله”، اذ استطاع الحزب ان يصمد ويحجز له مقعداً في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار ، مبدداً أفكار عن انهيار النفوذ السوري الإيراني في لبنان ، ربما تآكل بعض الشيء ، ولكنه يظل فاعلاً بل الأكثر فاعلية في لبنان.
ايضاً سقط رهان تل أبيب على صناعة اضطرابات شعبية في لبنان او إيران على وقع التصعيد الإسرائيلي او حدوث فتنة طائفية في لبنان على ضوء موجات النزوح التي نقلت شيعة الجنوب إلى بيروت والجبل وشيعة بعلبك إلى الشمال سواء طرابلس او عكار كما فشلت خطة تل أبيب في قيام قوميات الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، أهل الأحواز وكردستان وسيستان وبلوشستان وخراسان وأذربيجان وهرمز وغيرها من مناطق إيران في إشعال اضطرابات عرقية في إيران.
ثالث رهانات إسرائيل التي سقطت في لبنان على وجه التحديد هو قيام قوى سياسية بعينها بتطوير عملية سياسية سريعة قد تجهز على حزب الله او على أحزاب وقوي وشخصيات محور الممانعة في لبنان ، تحمس سمير جعجع لهذا الدور مقابل حكمة أمين الجميل الذى هدأ معسكرات الكتائب للذهاب إلى المشروع ذاته ، كذا كان هنالك رهان إسرائيلي ـ وبالتالي أمريكي ـ على تحمس سني للتخلص من النفوذ السياسي الشيعي ولكن ذلك لم يحدث ، وكانت حجة ساسة وأحزاب لبنان الذى لم يتحمسوا للطرح الأمريكي ـ الإسرائيلي هو استحالة تمرير هذه الأفكار تحت وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان ما يجعل هذا الطرح في واقع الأمر ـ وهذه حقيقة ـ هو المشروع السياسي للاحتلال.
لعبت مصر في المقام الأول وفى المرتبة الثانية السعودية ثم الأردن ادواراً كبرى خلف الستار لمنع انجرار القوى السنية لهذا الفخ الطائفي في لبنان ، وكذا تهدئة الأحزاب السياسية ولفت الانتباه إلى الأضرار الطائفية للطرح الأمريكي ، وان الشعب اللبناني ـ والمنطقة ـ لن ينظر للأمر إلا باعتباره تحرك مسيحي ضد المسلمين او تحرك سني ضد شيعية بغطاء إسرائيلي اثخن كافة محافظات لبنان بغارات جوية حارة لم يتجرعها لبنان في حروبه مع إسرائيل قبل ذلك.
والآن .. التوجه المحلي والإقليمي والدولي هو رسم ملامح وقف إطلاق النار في لبنان ، فإسرائيل عجزت عن الزحف البري إلى ما هو أعمق عن الشريط الحدودي ، واستطاعت مصر توفير مظلة عربية إقليمية داعمة للقاء “ميقاتي ـ بري ـ جنبلاط” من اجل المسارعة بانتخاب رئيس لبناني يحرك الجمود والفراغ السياسي ، إلى جانب مشاورات إقليمية تهدف للتوصل الى مشروع لقرار وقف إطلاق نار لائق بـ”لبنان”.
تل أبيب تعول على مجيء إدارة ترامب في أمرين :
الأمر الأول ان تقنع واشنطن في الزحف داخل لبنان برياً تحت ذريعة ان فشل الزحف حتى الأن جاء بسبب قيود إدارة بايدن على إسرائيل في ملف لبنان ، تلك القيود التي ـ قطعاً ـ لم تكن تعاطفاً مع إدارة بايدن مع لبنان ولكن لحسابات انتخابية بحتة ، وأنه حان الوقت لكى يفعل ترامب دعمه لتل أبيب ويعطي لجيش الإحتلال الدعم اللازم للزحف إلى عملية برية شاملة بكل ما يلزمه ذلك من تسليح أمريكي ودعم سياسي أمريكي بل ومشاركة أمريكية لوجستية.
او ان تضغط واشنطن لقبول شروط إسرائيلية ظهرت للعلن في الأيام الأخيرة وهى كلها اقرب للمزاح ، اذ تطلب إسرائيل ان يكون لها الحق في التدخل الجوي متى شاءت في لبنان لقصف مناطق ما اسمته “النفوذ الإيراني” ومحاولات حزب الله إعادة تشكيل بنيته التحتية وسلاح الإشارة ، هكذا تريد إسرائيل ان تصبح عملية نزع سلاح حزب الله إلى تحويل لبنان إلى دولة منزوعة السلاح.
وكان يمكن لعملية اختيار الرئيس ان تأخذ منحني اسرع لولا رغبة موارنة محور الممانعة في تسمية احدهم للمنصب ، إلى جانب استمرار رغبة طهران ودمشق في أضعاف الرئاسة المارونية والرئاسة السنية ، فهنالك فيتو من طهران ودمشق ضد تولي العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية ، وهو ما لاقي هوى لدى جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر .
حيث يسعي باسيل إلى منصب الرئاسة خلفاً لوالد زوجته الرئيس السابق ميشيل عون ، وقد سعى الرئيس عون والوزير باسيل إلى محاصرة العماد جوزيف عون مبكراً منذ العام 2021 وتحديداً حينما تشكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثالثة، وذلك بتسمية العميد موريس سليم وزيراً للدفاع بمهمة واضحة من التيار الوطني تنحصر في لجم قائد الجيش وتحجيمه وتهميشه إلى ان يأتي موعد استبداله بقائد اخر.