الشيماء أحمد عبد اللاه
كان الزمن يومًا نهرًا جميلةٌ ضفافه، يُنبت سنابل الخير ويحمل قوارب الأمل إلى المستقبل، أما اليوم، فقد صار هذا النهر ملوثًا، تغشاه أمواج الطمع والغدر، وأضحت ضفافه جدباء لا حياة فيها.
كأن الزمن قد فقد بوصلته، فلم يعد يسير بنا إلى الأمام، بل يُعيدنا إلى متاهات الماضي المثقلة بالخيانة والجشع، في زمنٍ كانت الكلمة تُعادل السيف في القوة، أصبحت الكلمات رخيصة، تُباع في أسواق المصالح، بلا حياء ولا قيم
كان الوطن ذات يوم شجرة عملاقة، تُظل الجميع بأوراقها الوارفة، وجذورها تضرب في عمق التاريخ، تشهد على عزة أهله وشموخهم، أما اليوم، فقد انكسر جذع هذه الشجرة، وصارت أوراقها حطامًا يتطاير في مهب الريح، غابت عناقيد الأمان من أغصانها، ولم يبقَ سوى شوك يُدمي أقدام السائرين على ترابه.
أضحت الحدود كحبالٍ مشدودة، تفصل بين الأهل وتجعل من كل جارٍ خصمًا، وكأن الأرض التي جمعتهم أصبحت ملعبًا للطامعين.
مثل نارٍ أُشعلت في حقلٍ يابس، انتشر الطمع في كل زاوية من زوايا المجتمع، يحرق ما تبقى من أخلاقٍ ومبادئ. بات الإنسان يتهافت على المال والسلطة، كمن يُطارد سرابًا في صحراء عطشى، ظنًا منه أن السعادة تكمن في المزيد.
لكن كلما أكل الطماع من هذا الجشع، زادت شهيته، كمن يشرب ماء البحر فلا يرتوي أبدًا، صار الجار ينظر إلى دار جاره بعين الحسد، والأخ ينازع أخاه على إرثٍ من تراب، وكأن الغنى بات مقياس النجاح الوحيد.
ورغم هذا الليل الدامس، يظل الأمل قنديلاً بعيدًا في الأفق، يُضيء لمن ما زالوا يؤمنون بالحق والعدل، ربما يحتاج هذا الوطن إلى من يُعيد زرع سنابل الخير في حقوله، ويُطهر نهر الزمن من شوائبه، ليعود كما كان: نقيًا يحمل الخير للجميع.
علينا أن ندرك أن الوطن لا يُبنى بالطمع، بل بالمحبة والتضحية، تمامًا كما تبني النحلة خلاياها بالصبر والعمل الدؤوب، فما زال هناك من يغزل خيوط الفجر ليُعيد للنهر صفاؤه وللوطن عزه.