ابداعات

“مؤمن في صراع”

منة اللّٰه سعد عتمان 

 

في إحدى ليالي الشتاء القارصة على ندبات قلبي المتعب، كنت أمشي على مهلٍ متخبط الخطوات، لا أدري أين تأخذني قدماي، لا أعلم أين سيأخذني مصيري المحتم، لا أعلم كلمات النصيب التي نُقشت في صحيفة قدري، أشعر بالوهن كنت قد خسرت الكثير في الفترة الماضية.

 

قضيت ليالي، 

تناثر فيها جسدي إلى مليون علامة استفهام،

وكنت انا الشاهد الوحيد على تلك الجريمة التي ارتكبها عقلي بي، وقضاء صباحي في لملمة شتاتي من جديد. 

 

كنت دائما ليل المُرهَقين؛ ليسترِيحوا من أرق الحياة، كنت مُلتقىٰ الأرواح لمن فقد روحه ألمًا؛ لكن في النهاية أزهقوا روحي خذلانًا، وطعنًا بالغدر في أضلعي، في ذاك اليوم وجدت نفسي في مكان غريب أشجاره كثيفة يملأه الصمت.

 

 سمعت صوت من الخلف يُناديني، استدرت؛ فوجدت عجوز قد أخذ الزمان منه رونق الشباب واستبدله بشيب الرأس، بلحية بيضاء طويلة تصل لمنتصف صدره، اقترب مني وأنا أكاد أقع مغشيًا عليَّ من الخوف، وقال بصوت واضح: أهلًا بك في مملكتي حيث الجميع تحت سيطرتي.

 

فقلت له: من أنت؟! 

قال: أنا الساحر الملقب “بالقابض” إليك اختيارين لا ثالث لهما، الأول هو الحياة، والثاني هو الموت. 

فأجبته وعلامات الاستفهام على وجهي: ماذا تقول، موت، وحياة، عن ماذا تتكلم؟! 

فقال بضحكة ساخرة: أنت هنا الضحية وأنا الجلاد، أنا مَنْ بيدي حياتك، أو موتك و كأنك لم تكن. 

 

فقلت له: مَنْ أنت لتحكم بأحكامًا ليس لك بها علم، وليس لك عليها سلطة، مَن أنت لتُميت وتحيى، 

الله هو من يُميت ويحيى، قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

 

قال: أبهرتني بإيمانك يا فتى، ولكنك كنت من قليل تريد استبدال حياتك التعسة بحياة آخرى، وأنا الآن أعرض عليك الحياة من جديد، بشكلٍ جديد، ومظهر جديد، على شرط أنك ستنسى ماضيك بأحبائك وأهلك.

 

ستُولد من جديد في مكان آخر، بشكل وملامح مختلفة، وإما تموت وتكون تلك نهاية قصتك،

تحيرت بين الحياة والموت، تذكرت أني دائما أفقد كل شيء من بين يديَّ، كل حلم أكاد ألمسه يتحول لكابوس يُرعش نبض قلبي.

 

كنت عادتًا طريح الفراش بلا وعي، شريد الزهن تأكلني أفكاري كل ليلة، و مُصاب الزُهان لا أدري بأي أرضٍ أنا، تارة أعيش في أرض الخيال الخصبة المليئة بالأحلام الوردية، وتارة يصدمني واقع مؤلم وقدر محتوم.

 

رغم كل تلك الابتلاءات والعثرات، لم أفقد ايماني أن الله هو مُنقذي ورازقي، و لو أن تلك هى نهاية قصتي؛ فلتنتهي وأنا راضي ومؤمن بأقداري، لن أمشي وراء شهواتي، وأستمع لشيطانٍ يُغريني بأشياءٍ ستُفنى عاجلًا أم آجلًا، ذاك العجوز هو الشيطان متجسدًا لإغرائي بمتع الدنيا، واقناعي بالدخول في طرق متعرجة أولها متعة وآخرها حسرة.

 

قلت له: اخترت الموت، ولكن هل لي ببضع ساعاتٍ أودع فيها احبائي؟!

قال لي : سأتركك حتى الصباح وبعدها ستفنى بين الثرى. 

 

رجعت لمنزلي مهرولًا ودعت أهلي بكلماتٍ كلها أسى، وما كان لي سوى أن اتوضأ وأصلي قيام الليل، كانت تلك أطول صلاة أصليها في حياتي، كنت كالطفل دعوت الله أن يعفو عني جميع ذنوبي، دعوت أن يقبل توبتي ويجوب بها عن أخطائي، شعرت حينها أن الرضا يتناثر بين أركان قلبي، وأني مؤمن بكل ما في قدري.

 

جاء الصباح وأنا أتفقد أنفاسي، لم أمت، أيقنت حينها أن إيماني مَن أنقذني، أن الرضا على القضاء والقدر أحياني من جديد؛ لكن حياة بنفس مظهري وملامحي وسط كل مَن أحب، الاختلاف الوحيد أني تحولت من القنوط للرضا التام لله؛ فأرضاني ورضى عني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!