ابداعات

صومعة

مشتهى عوض الكريم 

 

تخترقُ إعدادات الأرواح المُتصلبة وتنفثُ فيها الرُوح، حتى تحيا، فتغير في سُرعتها، وتُبطيء في قُدرتها، ثم تشرع في قتلها بلا رحمة، فتنسكبُ منها مادة لزجة لا مسمى لها، تملأ الأمكنة وتنتشر يبدو أنها أتت تعبيرًا عن الألم المدفون ليس إلا.

ألمٌ قد عُلق بعناية بأعماقٍ جسدٍ مُقيد، فزادهُ رُوح أخرى لتُكثِر الوجع، لم يُفتح له الباب قط ولم يُأذن له بالخروج، وقد أُطلق عليه ذات مرة “جسدُ الخُذلان”..

كانت تنسكبُ من على عُنق الذاكرة أحداثُ عُدة، تُعرقل في سير الأحداث، وتجعلها تدور حول دوامة لا مُتناهية حيث لا نقطة بداية ولا نهاية لما يحلُ بهذا الشخص، فقط دوران تلو الأخر، وجسدُ مُتخشب لا يقوى على الحِراك، وإنسانُ يجلس على الأرض بحركة دائرية، يُمسكُ يديهِ، يندبُ حظهّ بصمت، يُداري خلف شفتيهِ أحاديث لم تُجيد مضغ الحُروف بينها، ولم تُنصت لها أُذن، لكنها كانت حاضرة رغم غيابها، كانت محسوسة رغم عدم النطق بها، تُصفق بين كفيها في كل لحظة، تنثرُ عباراتها داخل النفس بأعجوبة ودهشة، تُهاجم الهُدوء بعاصفةٍ قوية، ثم تُنهي كل شيء لبرهة.

وفجأة يبدأ القاضي في نُطق الحكم الأخير، رغم أنه ليس هناك أحدُ حاضر، كان هو القاضي والمتهم في آن واحد، والذي قام بتقديم إفادته ولم ينجح في أن يُبريء نفسهُ من التهمة، فعاش بين سوادٍ وعِتمة، بين الغرق والغرق، بين ضعفٍ وضعف، وغاص في حُزنه بلا حولٍ له ولا قوة، كان يعلمُ أنها لحظاتٌ ثِقال، لكن ما دار بالأمس البعيد لا زال يُؤثر عليه.

استسلم فحسب؛ دون أن يُحاول إنقاذ نفسه في ما تسببت به من خراب، بل استسلم وجعل الزمن يمر وهو مُشفق عليه، فكان مع مرور الزمن يزداد ضياعهُ، وتبطش الذكريات المُرة على ظهرهِ فيزداد إنحناء، وتقِل راحتهُ وينبترُ ساقهُ من فرطِ المُعاناة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!