محمد الشحات الباهو
تصرخ النجوم كاتمة أنفاسها؛ لتعلن عن غياب آخر ضوء أبلق، لتتراقص الشمس مهتزةً؛ لسطوع بريق لون ضوئها، وسيطرتها ملكة متوجةً على السماء من جديد.
يتراقص المنبه مخرجًا أصواتًا مذبذة، ضوضاء كأنها مطرقة تسقط على جمجمته معلنةً عن تهشيمها، يستيقظ صاحبنا، ذلك الشاب العشريني، ما بين أصوات نعاسه، ووجه كشير ينم عن فقدان شغف من المصير المجهول في حياته.
كما يقولون بالعامية المصرية: ارتدى اللي على الحبل، أى ارتدى أفخم ثيابه، يتعانق العطر كل ثنية فيها، ساعته الالكترونية، ورابطة عنق سوداء، يوازيها حذاء غامق اللون، الآن خطواته تدق على الشوارع، الأتربة تتزاحم على حذائه.
فتاة جميلة الوجه، لو رآها علماني ملحد لعبدها، ظنها ملكًا من السماء هابطًا، ملتصقة ثيابها، تبرز منحدرات جسدها، هيهات هيهات، أي تعمد لإظهار مفتنك يا فتاة، هلكتي في وحل غرور الدنيا، ويحك! توبةً لكِ! أظن: لو رأتكِ مخبولة الفكر، تلك الفتاة التي تؤمن الأنثى للأنثى، لراودتكِ عن نفسها، ستشتاق إلى قبلات حارة منكِ، أفكار شيطانية، ومغريات تتسابق في كل مكان، رزيلة العهر بالتأكيد هي، تلك غذاء إبليس اللعين.
أرسل إبليس على الفور جنوده، كأنها رسائل مشفرة تدخل فقط على العقل المغيب بملذات الحياة، ونسى وتناسى، مروره على الصراط، إبليس على عرشه النجس، صارخًا، زيدي ميلًا يا فتاة، هزي بخصرك، ما بين اليمين واليسار، اظهري ثديك العظيم، زيدى تعطرًا، اجعلي الرياح تقبل شفتاكِ، كم أنفقتي من مال للتجميل؟ اظهري تلك المفاتن جيدًا، براوة عليك، أسعدتي ابليس اليوم.
وعن صاحبنا المدنس يتابع صور هنا ومقطع هناك، مبتهجًا برابطة عنقه السوداء، أسرع الخطى وراء تلك الجميلة، نظراته كأنها أسهم لها يد ملساء، نشوة في قلبه، يلامس شهوة جسدها، قلبه يدق…، ابليس يصفق على هذا بالتأكيد.
شمس وقمر، قمر وشمس، أيام تتعاقب، سنوات، عقود، الشيب في رأسه، ومازال وراء خصر يلهث كالكلاب المسعورة، كلما رأت قطرة، دماء، صاحبنا ذات الرابطة العنق، لم يدرك أن العمر مضى وهو مازل وراء تراقص خصر يلهث، العمر مضى، وإبليس مازال يقهقه.
نظرة صمت كعقاب يتتبع ضحيته بشوق للانقضاض، غرغرة من فمه، الأمر الحتمي للدماء في مخه بالتوقف، القلب يصرخ، ويحك! أهذا الوقت، لتغادرني فيه، أوجس القلب فزعًا، هاهو البطين الأيسر يدق كأنه طبلة صاخبة، ليضخ الدم، ويحك! جف الحبر! واختفت الأحرف! لمن الملك اليوم. لمن الملك اليوم.
إبليس: أيها الإله، عزتك وجلالك، أضللتهم، أفسدت قلوبهم، زينت لهم الشهوة، لم يغضوا أبصارهم……..
يا صاحب الحذاء الغامق، قالها بسخرية انتصار، أتظنني صديقك، لقد وعدتك بلذة مؤقتة، لذة فاسدة.
صاحبنا: أنت من أغرتني، ويحك، أتهرب مني الآن، يا ويلتاه!
إبليس: لست أنا عليك بسلطان، احتضن الآن بقطع من لهيب النهار، ما بين قمطرير أنا أذوب، ذب الآن مع أقرانك.
المنبه سكت، حي على الصلاة، حى على الفلاح، قام صاحبنا على صوت الأذان فزعًا من كابوسه، مازال محموله، على مقطع خادش، تتراقص فيه فتاة، وثيابه المبللة، أخذ بخوف يردد: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
مياه طهور على جسده، ثياب حسنة تلحف جسده العاري، سجدة تعانقها دموع الندم، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، مات ساجدًا، يردد آيات التوبة.
على قبره، نثرت الزهور والريفان، نفير من الناس على قبره، توبة لك أي مسك يفوح من قبرك، توبة لك وتوبة علينا، توبة لك وتوبة علينا!