مشتهى عوض الكريم
وحينما أتحدثُ عن الحنين ينقبضُ قلبي، تشهق أنفاسي، تتلعثم شفاهي، وأُفشي ما بداخل النفس لأفصِحه أمام الملأ، أُذناي تصغيان، يديّ ترتجف، ويكفيني أن أعيد صياغة الماضي بداخلي من جديد، أن أنفِث الروح على لوحٍ خشبي يفتقد الجوانب، ويختلسهُ البتر الغير متوازي، أبتسم للحياة، أخبرها بأنها تركت شيئًا يستحق الذِكر، وساهمت في نشر السعادة ولم تمضِ دون أن تترك للمرء كأسًا يتجرعه كلما تقيأتهُ الحياة، فربما لمُر الكأس حِكمة، وربما للارتشاف فنٌ ونغمة.
وعزيزةُ ترقص بخصرٍ نحيف، أمام القدر، لكنها حتمًا تُفرغ عن ما يألفُ روحها من أحداث حتمية، ليالي العودة تُصفق بحذر بين جمهورِ اللاشيء والفراغ، فتنزوي رزنامة الشُعور على جنبٍ، وتتلهف النفس لبثِ ما فيها من حُزن بداخلها منذ مُدة.
وأنا أُقيم الطقوس على أمل أن تخرج اللعنة من أنحاء جسدي الهزيل، يعتريني شعور الألفة من جديد، وأبتسم لحياة سلبت مني ما استطاعت، وتركتني على أنفاسي الأخيرة مرمي على أحد الشوارع المزدحمة، أُلقي خِطاب المتشردين، أتغذى على بقايا الأطعمة المتعفنة بالقمامة، وأكتُب عن مأساة شابٍ ثلاثيني ينبذهُ العالم.
لم أبه لتلك الراحلة، كنتُ أتسِم بِسمة المواصلة، أمضي وتمضي الذكريات بين ضلوعي حيثما مررت مرت سهوًا على قلبي وازدادت ضرباتهُ وخفق قليلًا، كُبتَ ألمًا وعشت في معاناة لا مُتناهية.