ابداعات

أشدّ الرجال بطشًا

زينب عبد الحفيظ 

 

كلما استعصى عليّ شيء، زمجرتُ بغضب ولوّحتُ بيدي للفضاء صارخًا “سحقًا لشيء أراد أن يستبدّني!”

 

أنا رجلٌ أنبض صلابة وعنفوان، مشحونٌ بالقوة، أمتلك صوتًا يفوق حدّة أصوات النمور، وقبضةً من فولاذ، يمكنني أن أقاتل أشدّ الثيران شراسة، وأن أُناطح الضباع وأفتك بها، على العنف ترعرعت، وفي البرية اشتدّ عودي، لم يهزمني شيء، لا بشر ولا حيوان. أنا رجلٌ تنفر منه الطبيعة، وتحلّق الطيور هربًا منه،

 

فكيف يرتخي جسدي أمام أنثى؟ شيءٌ ما يدعوني للسخط على حالي! مجرد فتاة، صغيرة في الجسد، لكنها قادرةٌ على سحقي بكلمةٍ واحدة. مرورها أمامي فقط كفيلٌ بأن يسحب من داخلي الضجر، أن ينثر على روحي ماءً باردًا يطفئ غضبي غير المبرّر. 

 

أنا رجلٌ عنيد، فكيف أنصاع لكلمات امرأة صغيرة، ضئيلة الحجم، ضعيفة القوة؟ أدرك أنها تشكّل خطرًا على حصوني المزودة بالأشواك، ورغم ذلك، لم تتكبّد أيّ عناءٍ في هزيمتي، فقط رمقتني بنظرةٍ حانية، فرميتُ سيفي ودَرعي، وافترشتُ الأرض قتيلًا لتلك العينين. 

 

رجلٌ كالعاصفة التي لا تُردع، استطاعت هي أن تعيد تشكيل هوائي المُهلك، أن تُثقل كاهلي بخفّة ظلها. كانت ساكنة، وسكونها كان أشدّ وقعًا من صخب معاركي، أنا الذي اعتدتُ أن أكون سيّد الفوضى، وجدتُ نفسي اليوم أسيرًا خلف قوانين لم أعهدها… ويا للعجب، لم أغضب!

 

ولكن، فليخبرني أحدكم… إن كنتُ جاهلًا بأمور الهوى، فكيف يعود الرجل قويًا مرة أخرى؟ كيف أرتدُّ عن طريق الهوان، وأعود صلبًا، لا تؤثر بي نسمةٌ ولا تهزّني نظرة؟ لم أتمكن من لعق جرحي، فتركته يسيل، يخبر الأرض أن الرجل الذي طالما سحق ترابها بخطواته، غدا اليوم يرويها من ألمه. 

 

كيف أفتك بفتاةٍ نشبت في قلبي نيرانًا دافئة، وأسْلجت روحي المحترقة؟ هل أرغمها على الالتفات إليّ؟ هل أضيّق عليها الخناق وأُكرهها على حبي؟ كنتُ أُلجم الضواري المتمرّدة، وألكم الرجال المغترّين، وألعن البقية، لكن عندها… أقف عاجزًا، ضعيفًا، مترقبًا، 

 

تترصّدها عيناي بشغف، ولا يكفّ عقلي عن إضرام اللهب كلما ذُكر اسمها، رجلٌ عنيفٌ، غاضب، لا يهاب شيئًا… تخيّل أن ينجرح قلبه. قلوب الرجال من زجاج، إن خُدشت خدشًا طفيفًا، تهشّمت البقية، واليوم… أنا ذات الرجل، بل ازددت سوءًا. أنخر من أعماقي المقت، وأغتسل به حتى أبدو رجلًا تهابه العيون، حتى عيون النساء المزيّفة بالبراءة تخشى النظر إليّ طويلًا، 

 

هكذا خُلقتُ… رجلٌ تدّرع بالعضلات كلما كبر سنه واشتدّ أزره، لم يخضعني شيء، ولم يكسرني أحد، حتى… جاءت هي، جعلتني أركع على قدمي، ألمٍ لم أعرفه من قبل، وأخضع أمام ذلك الصغير الذي يضخّ الدم في صدري، 

 

خُلقت النساء لتضعف أشد الرجال قهرًا… وها أنا، قد قُهِرت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!