ابداعات

غفوة وعي

 

 

بقلم: ضياء علي الدعاس

 

أتعرف ما معنى أن تكون حيًّا…؟

أن تمشي على الأرض، أن تبتسم وتحادث الناس وتؤدي واجباتك كأنك أحدهم… بينما أنت، في الحقيقة، غريبٌ عن كل ذلك؟

كأنك روحٌ أُسقطت في الجسد خطأ، فصارت تقضي أيامها تمشي وسط الجموع، تؤدي دورًا لم تُكتب له سطور.

 

في ظاهر الأمر، يبدو كل شيء طبيعيًّا…

العملُ يسير كما هو، وصوت الماكينات لا يزال يطنّ في الأذن، وتلك الأغنية التي أحببتها يومًا ما زالت تُبث في الخلفية…

وها أنت في صاله الألعاب الرياضية ، أو ربما في مقهى أنيق تتصنع الاستمتاع؛ تحاول أن تكون حاضرًا، أن تعيش، أن تتنفس كما يفعل الناس.

لكن… ما أبعدك عن الحياة!

 

فجأة… وبدون مقدمات…

ينكسر الزمن داخلك، وتتهاوى عليك الذكريات كما تتساقط أوراق الخريف بلا نظام

تأتيك لحظة… لا تطرق الباب، ولا تستأذن، ولا تبالي بوقتك ولا مكانك.

ربما كنت تسوق سيارتك، تتصفح هاتفك، تضحك مع أهلك أو صديقك… وإذا بك تغيب…

يغمرك شعور لا اسم له، يُشبه البكاء لكنه أعمق، يُشبه الندم لكنه أوسع، يُشبه الحنين لكنه لا يحن لشيء محدد.

كأن قلبك أدرك شيئًا عجز عقلك عن تفسيره.

كأنك فقدت شيئًا عزيزًا… لكنك لا تعلم ما هو.

 

تمر الومضة.

تتذكر أيامًا كنت تظنها سيئة، لكنها الآن تُبكيك من شدة جمالها حين تقارنها بما أنت فيه.

كنت تلعن ماضيك… فإذا بك تتمنى العودة إليه، لا حبًّا فيه، بل هربًا من هذا الفراغ…

وكأن الحياة تُفرغ فيك كلما مضيت فيها… وكأنك كلما كبرت، صغرت أحلامك.

 

لكن السؤال الجارح، السؤال الذي لا يجيب عنه أحد، يظل يتردد كصدى بلا أصل:

هل القادم أسوأ؟

هل سنعيش أعوامًا نشتاق فيها إلى هذا الحزن الذي نعيش فيه الآن، كما اشتقنا لأحزان الأمس؟

وهل كل ما نمر به ليس إلا تمهيدًا لانحدار أكبر… أم أنه صعود لا نراه؟

ثم، لماذا لا يُخبرنا أحد أن هذه الأيام، التي نعيشها بكل سخط، ستكون يومًا أجمل ما نملك في الذاكرة؟

لماذا لا يَفهم الناس أن الذكريات لا تُصنع من الفرح فقط، بل من الوجع المُستمر، من الصبر الطويل، من الضياع المضيء الذي لا ندرك نوره إلا بعد أن نفقده؟

 

نحن لسنا سوى عابرين في زمنٍ لا يتوقف، نحمل في أعيننا صورًا لم تكتمل، ونعيش لحظاتٍ لا نفهمها إلا بعد انقضائها،ربما لسنا تعساء كما نظن، وربما لسنا سعداء كما ندعي.

نحن فقط… نعيش.

وهذه الحياة، كما قال أحد الحكماء، ليست إلا فسحة بين اثنين من الغياب.

 

فلا تأسَ إن جاءك الحنين فجأة، ولا تخف من الدموع التي لا تفسير لها.

فكل قلبٍ فيه غرفة سرية لا يراها سواه… وكل إنسانٍ على الأرض مر بها، ولو مرة.

وقد تكون هذه اللحظة العابرة التي لم يفهمها أحد… هي أكثر لحظة صدقٍ في حياتك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!