✍️سلمي سعيد
نظمت مكتبة الإسكندرية، يوم الأربعاء، ندوة بعنوان «معركة الوعي ودور القوى الناعمة في تشكيل الهوية المصرية في الجمهورية الجديدة»، بحضور نخبة من المفكرين والمثقفين، منهم الدكتور أسامة البدرشيني أستاذ القانون العام والمحاضر بجامعة الإسكندرية، والإعلامي مصطفى بكري، والفنان أحمد ماهر، والموثق السكندري خالد هنو، إلى جانب عدد من الأكاديميين والمهتمين بالشأن العام. تناولت الندوة أهمية مواجهة حروب الشائعات والأكاذيب التي تستهدف زعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، ودور الفنون والآداب والإعلام في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الوعي المجتمعي.
استهل الفنان التشكيلي والموثق السكندري خالد هنو كلمته بالتأكيد على أن معركة الوعي أشد قسوة من الحروب التقليدية، إذ تعتمد على أسلحة الكلمة، واللحن، واللوحة، والمسرح، والسينما، وهي ما يُعرف بالقوى الناعمة، التي تسهم في تشكيل هوية أي دولة في العالم. وأوضح أن الاستعمار لم يعد يقتصر على الاحتلال العسكري، بل أصبح استعمارًا ثقافيًا يفرض أنماط حياة وفنونًا ولغات دخيلة، قائلاً: “اليوم قد ترتدي لباس المستعمر، وتتناول طعامه، وتستمع إلى أغانيه، وتشاهد أفلامه، فتُستَعمَر دون أن تدري”.
وأشار إلى تجربة الفنانين علي رضا ومحمود رضا قبل نحو 70 عامًا، عندما جابا العالم لتقديم الفن المصري، متسائلًا: “لماذا لا نعيد هذه التجربة الآن؟”، منتقدًا الاكتفاء بإعادة تقديم أغاني أم كلثوم وعبد الحليم دون تطوير. كما انتقد إغلاق عدد من قصور الثقافة في الإسكندرية، ومنها قصر ثقافة التذوق المغلق منذ أكثر من عقد، مؤكدًا أن هذه المراكز كانت داعمًا كبيرًا للمواهب، وذكر تجربته الشخصية في قصر ثقافة الحرية حيث تم احتضانه كفنان شاب، ومنحه الفرصة لعرض أعماله مجانًا، وهو ما لم يعد متاحًا الآن سوى في قصر ثقافة الأنفوشي.
وقال الدكتور أسامة البدرشيني إن مصر التي صدّرت العلم والثقافة للعالم تواجه اليوم معركة وعي صعبة، مشيرًا إلى أن الوعي هو الإدراك الجمعي للدولة، وله محددات يجب فهمها، خاصة في ظل ما شهده العالم ومصر من أزمات، منها جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والصراع في السودان، والعدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر 2023.
وأكد أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية عالمية، وأن مصر تتبنى موقفًا ثابتًا في دعمها، مشيرًا إلى تصريحات الرئيس المصري الأخيرة التي شددت على أهمية وعي الشعب بالمحددات الوطنية لهذا الموقف. كما لفت إلى مبادرة “بداية” التي أطلقتها القيادة السياسية بهدف إعادة بناء الإنسان المصري، معتبرًا أن الوعي والهوية الوطنية هما خط الدفاع الأول ضد التأثيرات الثقافية والإعلامية الدخيلة.
وأشار الإعلامي مصطفى بكري إلى أن مصر تواجه ما أسماه «حرب الجيل الرابع»، التي تستهدف ضرب الهوية الوطنية ونشر الشائعات، موضحًا أن البلاد محاطة بتحديات إقليمية وأمنية خطيرة، أبرزها محاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ضمن مخطط لضرب استقرار الدولة. وأكد أن المرحلة الحالية هي الأخطر في تاريخ المنطقة، داعيًا إلى الاصطفاف الوطني والمشاركة الشعبية خلف القيادة السياسية لمواجهة هذه المخاطر.
وأوضح الفنان أحمد ماهر أن القوى الناعمة تمثل أحد أهم ركائز تشكيل الهوية المصرية في الجمهورية الجديدة، وأن الفنون والثقافة والأدب جسر للتواصل بين الأجيال وأداة لترسيخ القيم الوطنية.
وشدد على أن الفن رسالة، وأن على المبدعين مسؤولية كبرى في مواجهة محاولات طمس الهوية وتشويه الوعي الجمعي، من خلال تقديم أعمال هادفة تحترم عقل ووجدان الجمهور.
وأضاف أن مصر عبر تاريخها استخدمت قوتها الناعمة لتكون في الصدارة عالميًا، مشيرًا إلى أهمية وعي الجيل الجديد لتمييز العمل الفني الأصيل من المحتوى الهابط، مؤكدًا أن مواجهة التحديات الفكرية والثقافية تتطلب تعاون المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية مع دور الفن. واختتم كلمته بالتأكيد على أن “معركة الوعي” لا تقل أهمية عن أي معركة أخرى في الدفاع عن الوطن، وأن الجمهورية الجديدة تحتاج إلى خطاب فني وثقافي يعكس طموحات المصريين ويعيد القيم الإيجابية في وجدانهم.