مقالات

نتنياهو و”إسرائيل الكبرى” : من حلم عقائدي إلى مشروع توسعي مُعلن

✍️ يوحنا عزمي

في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ توليه رئاسة الوزراء ، كشف بنيامين نتنياهو ، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ، أمام كاميرات قناة i24 الإسرائيلية عن ارتباطه برؤية “إسرائيل الكبرى” التي تمتد – وفق العقيدة الصهيونية المتشددة – لتشمل كامل الأراضي الفلسطينية التاريخية ، وأجزاء من مصر والأردن وسوريا والسعودية.

تصريحات نتنياهو ، التي جاءت رداً على سؤال مباشر من المذيع والعضو السابق بالكنيست شارون جال ، مثلت إعلاناً صريحاً عن مشروع توسعي يتجاوز حدود النزاع القائم ، ليتحول إلى خطة دينية ـ سياسية طويلة المدى.

رمز عقائدي أمام الكاميرات

خلال المقابلة ، قدم المذيع لنتنياهو سلسلة معدنية تحمل خريطة “الأرض الموعودة” في المعتقدات التوراتية ، تضم فلسطين بكاملها إلى جانب مساحات من الدول العربية المجاورة.

عند سؤاله عن ارتباطه بهذه الرؤية ، أجاب نتنياهو بوضوح :

نعم ، أنا مرتبط جداً بها .. أرى نفسي في مهمة تاريخية وروحية بدأت قبل أجيال وستستمر بعدنا.”

جذور الفكرة : لقاء غير المسار

لفهم خلفية هذه التصريحات ، يعود بنا المشهد إلى ثمانينيات القرن الماضي ، حين كان نتنياهو مندوباً دائماً لإسرائيل في الأمم المتحدة. هناك ، التقى بالحاخام مناحيم شنيرسون ، زعيم حركة “حباد لوبافيتش” الحسيدية ، والذي يُنظر إليه من أتباعه باعتباره “المسيح المنتظر”.

شنيرسون ، الذي يُعد من أكثر الشخصيات تأثيراً في الفكر الديني اليهودي المتشدد ، كلف نتنياهو بمهمة “تهيئة إسرائيل لاستقبال الماشيحا” (المسيح المخلص)، عبر إعادة إسرائيل إلى مكانتها كمملكة كبرى ، وتعزيز التدين والتشدد بين اليهود ، وصولاً إلى لحظة الظهور الموعودة.

وبحسب ما نقله نتنياهو لاحقاً ، فقد أخبره شنيرسون أنه سيكون “آخر ملوك إسرائيل” قبل مجيء المسيح.

حركة حباد وخلفية أيديولوجية متطرفة

تأسست حركة “حباد لوبافيتش” في القرن الثامن عشر على يد الحاخام شنيور زلمان في روسيا البيضاء. رغم خطابها الدعوي الظاهري، تتضمن تعاليمها – كما في كتاب “هتانيا” – أفكاراً ترفض أي تسوية تقوم على “الأرض مقابل السلام”، وتدعو إلى ترحيل العرب أو قتلهم ، واعتبار غير اليهود “مخلوقات شيطانية”.

هذا البعد العقائدي يفسر كثيراً من سياسات نتنياهو ، إذ يرى نفسه منفذاً لوصية دينية لا مجرد زعيم سياسي.

غزة كنموذج أولي

الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن دمار واسع للبنية التحتية وتهجير عشرات الآلاف ، ليست – وفق محللين – مجرد رد على أحداث 7 أكتوبر، بل نموذج مصغّر لما قد تسعى إسرائيل إلى تطبيقه في مناطق أوسع ضمن مشروعها التوسعي.

الحكومة الإسرائيلية الحالية ، التي تضم شخصيات متطرفة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ، تتحرك بسرعة لفرض وقائع جديدة على الأرض ، مستفيدة من دعم أمريكي مباشر ، وغياب رد عربي فاعل.

المعادلة الإقليمية

يرى خبراء أن المشروع الذي ألمح إليه نتنياهو يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي ، خاصة لمصر والأردن والسعودية وسوريا.

ورغم خطورة التصريحات ، لم تظهر حتى الآن تحركات عربية جماعية تعكس حجم التحدي ، ما يمنح حكومة الاحتلال فرصة أكبر لترجمة عقيدتها التوسعية إلى واقع جغرافي وسياسي جديد.

تصريحات نتنياهو الأخيرة ليست زلة لسان ولا محاولة لاسترضاء التيار اليميني ، بل انعكاس مباشر لعقيدة دينية راسخة تشكل خارطة طريق لحكومته.

في ظل المعطيات الحالية ، يبقى السؤال : هل يدرك العالم العربي حجم التحول ، أم أننا أمام بداية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على أسس توراتية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!