ابداعات

أربعُ وعشرونَ ساعة

المهند إسلام

 

أغمسُ قدميَّ في الرمالِ السوداءِ،

منتظرةً بلهفةٍ قدومَ مياهِ البحرِ لتداعبَها،

وأتأملُ حالَ مملكتي من بعيد،

أتأملُ قلاعي المهدَّمة،

والبلدةَ الغاضبة،

والغاباتِ المحترقة،

كلُّ شيءٍ أصبحَ برائحةِ الرماد،

أغصانُ الشجرِ تحوَّلت من البنيِّ إلى الأسود،

ومياهُ البحرِ تغيَّرت من بياضِ ملحهِ وزرقتهِ إلى اللونِ الفحمي،

وكلُّ هذا بسببي.

 

كنتُ في مملكتي،

أضعُ القواعد،

وإحداها:

ملءُ المملكةِ بالمكتبات،

والحكايات،

والأشعار،

وأهمُّها:

قتلُ أمثالك،

وجلدُهم حتى الموت،

وحرقُهم كالساحرات.

 

ظننتُ أنّه باختفاءِ أمثالك ستتطهَّر المملكة،

المملكةُ التي كانت يومًا مليئةً بالغيومِ الوردية،

ورائحةِ الأزهار،

والقلاعِ البيضاء،

والغاباتِ الخضراء،

والبلدانِ الذهبية،

بمتاجرِها البنية،

ورواياتِها الخيالية.

 

لكنني كنتُ مخطئًا،

اختفاءُ أمثالك لم يُطهِّر البلدةَ،

المملكةَ،

بل دمَّرها بالكامل،

أدركتُ أن اختفاءَك من عالمي لا يعني اختفاءَك من العالم،

ربما كنتَ مصدرَ الضررِ والعذابِ بالنسبة إلى قلعتي،

لكنَّك مصدرُ سعادةٍ للبعضِ الآخرِ في مملكتي،

وكان من واجبي الحماية،

لكنني فشلتُ،

كما فشلتُ مسبقًا.

 

ماذا لو كان هناك فقط أربعٌ وعشرونَ ساعة،

نُصلح كلَّ خلافاتِنا،

أُصلح كلَّ ما أخفقتُ فيه،

وتفعلُ كلَّ ما لم تفعله؟

ماذا لو كان هناك فقط أربعٌ وعشرونَ ساعة،

تُعاملني فيها كما تُعاملهم،

تكون مصدرَ سعادتي كما أنتَ مصدرَ سعادتهم،

ووقتها لن أتجهَ إلى الإدمان،

فقط لأربعٍ وعشرينَ ساعة،

قبلَ بدءِ الحريق.

 

لكن، لِنَحذرِ الأخطاءَ هذه المرة،

لأنَّه وإن أخفقنا،

سأتركُك تحترقُ في المملكة،

وأبحرُ بسفينتي وأهرب،

أشاهدُ من بعيد،

وأنا أحتسي الليمونَ المسمَّم،

وأستمعُ إلى الجاز،

وأتركني مع مملكتي،

لأحترق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!