ابداعات

🖋️ *هافن*

خالد حسن عبدالعزيز

 

في قسوة المنفى

يصبح الحرف آخر ما تبقى لنا من هواء

نعيش في مدن لا تعرف أسماءنا ونحمل ذاكرة مثقلة بالرحيل

حتى تكاد الأرواح تختنق تحت ثقل الغربة

المنفى ليس جغرافيا فحسب بل جرح مفتوح في القلب قسوة تمتد في الزمن وصمت لا يسمع سوى ارتطام أنفاسنا المبتورة

 

لكن وسط هذا الخراب

تطل هافن كنافذة صغيرة في جدار خانق ليست مجرد مجلة بل ملاذ واسع للحروف التي تبحث عن حضن

ومكان تنصت فيه العيون إلى أصوات كادت أن تضيع

عندما ينشر حرفي بين صفحاتها أشعر أنني لم أعد وحيدًا وأن المنفى مهما كان قاسيًا يمكن أن يتسع لنفس آخر

 

هافن تمنح للكلمة معنى جديدًا فهي لا تنشر النصوص وحسب بل تحتضنها كما تحتضن أم ابنها العائد من رحلة طويلة في العراء

كل مقال ينشر فيها يذكرنا أننا ما زلنا هنا

أننا لم نمح بعد وأن حزننا يمكن أن يصبح لغة يتشاركها الآخرون بدل أن تظل وجعا صامتًا

 

لقد علمتني هافن أن الكتابة في المنفى ليست ترفًا بل نجاة حين أكتب أضع على الورق ما يعجز قلبي عن حمله

وحين يقرأ ما كتبت أشعر أنني أتنفس للمرة الأولى بعد غياب طويل

هكذا فقط يصبح الحزن النبيل أكثر احتمالًا وتصبح الغربة أقل قسوة

 

هافن ليست مجرد صفحات إنها وطن رمزي نصنعه من الحروف ووعد بأن الكلمة تستطيع أن تفتح نوافذ في جدران المنفى المغلقة

 

أكتب لأن المنفى خانق وأتنفس فقط حين تنشرني هافن ويقرأني الآخرون.

 

الإسكندرية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!