ابداعات

“تنهيدةُ غريبين”

 

المهند إسلام 

 

بين الحيرة والتيه،

والتنقل من مكانٍ لآخر،

شخصٍ لآخر،

تحتاجُ دومًا إلى الجلوس فوق عربة،

أمام البحر في الليل،

والنظر إلى السماء،

وأخذ نفس عميق،

حتى تسمع صوت محرك عربة أخرى،

متوجهةُ ناحيتك،

يترجل راكبها ويجلس بجانبك،

ينظرُ إلى البحر،

ويأخذ نفسًا عميقًا.

 

لا تعلم من هذا الشخص،

أهو سيءٌ كما يزعم أنه،

أم جيد قالبًا ويخشى المواجهة،

كل ما تعلمه أنكم تتشاركون نفسَ الشيء، وتحتاجون إلى إفاضة الكأس المليء بالعفن، حتى لا يمتلئ الكأس وينسكب في غير أوانه.

 

تتحدثون لساعات طويلة،

عن الحياة وما تفعله،

عن الخوف من المستقبل،

وسوء الماضي،

عن الأشخاص الذين أحببناهم ورحلو،

وعن الأشخاص الذين أحبونا وعلقناهم.

عن الحاجة إلى المثالية والكمال،

عن كيفية العودة إلى الطريق الصواب.

تتشاركون نفس الحيرة،

عن هل أنا شخصٌ جيد أم سيء،

هل سترضى أمي عني أم ستتبرئ مني؟

هل ما أشعرُ به صحيح أم أنني مجرد مراهق؟

 

وتبقا التساؤلات بلا إجابات،

وتبقى الدمعه متماسكة في عين كل من الغربيين الذين تقابلا وسط صراخ الحياة،

يحتاجون فقط إلى تنهيدة، لإكمال الطريق.

 

لطالما كان الأول سفيه كما سيصفه الناس،

كل يوم مع شخصٍ جديد، 

لا يستطيع الوقوف في مكان واحد،

فقد اعتاد الترحال،

ومن اعتاد شيءٌ لا يستطيع الرجوع فيه.

أما الآخر فهو شخصٌ سيء كما يزعم،

لا يعلم الأول ما الذي جعل الآخر يظن ذلك،

أليس كل منّا سيء على أي حال؟

أليس الجميع يفعلُ شيء سيء تجاه نفسه والآخرين بطريقة ما؟

فكم من مرةٍ رأينا مدخن يفهم الآخر أكثر من الملتحي؟ 

وكم من مرة يسمعنا هؤلاء الأشخاص الذين من المفترض الإبتعاد عنهم؟

فلن يستمع أحدٌ إلى المتألم سوى من شابهه في الألم.

أوليس كل منا لديه سرٌ لا يعلمه أحدٌ سوى نفسه؟ وفقط نفسه؟

أليس كل منا وقع في إثمٍ حفر حفرة في جوفه، لا يستطيع سوى أن يملأها بالطين كي لا يراها أحد؟

أعتقد أن الجميع كذلك.

لهذا السبب لم يكن الآخر يكمل طريقه للنهاية مع أحد،

فهو يظن أن الجميع جيدين، 

عداه.

 

لم يكن الاثنان يتشاركان شيء غير الإيمان،

آمن الإثنان أنه إن أراد المرئ إسكاب كأسه، فليسكبه على غريب يمرٌ من طريقه، فبمجرد ذهاب الغريب، سيذهب السرّ معه، ولن يعود مجددا.

غيرَ أن الأول أراد وجود الآخر دائمّا،

يريد أن يشعرَ أنه يستطيع دائمًا إسكاب الكوب، من غيرِ خوف من الحكم.

لكنه يعلم أنه ما إن يسكب الكوب، سيترك الآخر ليرحل، أو يرحل هو،

فكيف لشخصٍ علم آثامه أن يبقى بجانبه، وكيف لشخصٍ أن يبقى مع الآخر حتى الموت؟ ذاك المفهوم أغرب ما سمع عنه الأول.

 

تشاركا الاثنين الأسرار، ثم صمتا حتى انتهى الليل،

وحان وقتُ العودة إلى صخب الحياة مجددا،

وحان الوقت ليهرب الأول، كما يفعلُ دائما، كي ينقذ نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!