آلاء شعبان
يُخلق الزرع من بذرةٍ ومن ثم يكبر، كذلك المضغة تُخلق في الرحم، تكبر وتأتي للدنيا على هيئة إنسان، هذا الإنسان يظل يكبر ليصل إلى مرحلة شبابه، يترعرع ويجري في الدنيا كتدفق الماء، يسعى هناك ويكابر هنا، وينسى أن الله أعطاه الحياة الدنيا التي هي مرحلة زائلة كزوال الليل وبزوغ النهار، وزوال الجلد من على الشاة بدون أي مجهود، كذلك الدنيا في يده لن تدوم، فهو كالنبتة تُزرع وتنمو وفي نهاية حالها يتم حصادها ولا يبقى لها أثر، وتأتي عليها أخرى لتمحو أي أثر لها
فأنتَ أخي الإنسان، خُلقتَ في الدنيا لتُعطى ثم يُؤخذ منك، فلا تحسب أن الحياة دائمة لأحدٍ منا، نولد، نكبر، ومن ثم لا شيء… كله زال
لقد سمعتُ بعض الحكم في صغري كنت أظنها تولد من التفاهة، لكني أنا من كنت أصطنع التفاهة، فلا توجد حكمة تافهة، وإلا لما سُمّيت حكمة، سمعتُ إحدى جدّاتي تقول: “إن الدنيا كالساقية، يومٌ لك ويومٌ عليك” أدركتُ معناها متأخرًا، لكني أدركته
دُنيانا يا أخي الإنسان لا تدوم لأحد، فهي في لحظة تعطيك حتى تُنسيك، وفي لحظة تأخذ منك ولا تعرفك
وقد وصف الله هذا أدق وصف لا يشبهه وصف فقال تعالى: “واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيمًا تذروه الرياح وكان الله على كل شيءٍ مقتدرًا”
ألا تنظر إلى هذه الايه، أخي؟ فلقد أوضحت كل شيء، يُولد الواحد منا في دنيا يظن أنها باقية، يطغى ويتجبر ولا يدرك أن كل هذا بيد قادرٍ مقتدرٍ على زواله في غمضة عين
انظر إلى كل من حولك، هل ظلّوا على حالهم؟
انظر إلى أبيك، هل لا يزال في ريعان شبابه؟
مرَّ أحد جيراني علينا يومًا يبكي حاله وما كان عليه، كان لا يترك مكانًا إلا وهو ذاهبٌ إليه، يثرثر ويضحك ولا يترك شيئًا يفوته، إلا أنه في ليلةٍ وضحاها مرض مرضًا شديدًا، حتى الأدوية لم تأتِ معه بنتيجة، ينتظر لحظة صعود روحه فقط
هل ترى حاله يا أخي الإنسان؟
الله أعطاه دنيا بها صحته، وفي لحظةٍ أخذها منه، وهو ما قاله في كتابه العزيز
كلنا زائلون، فاعمل لآخرتك، ولا تجعل الدنيا أول همّك، وإلا بالفعل ستكون همّك




