ابداعات

تائه

بقلم : داليا عبدالناصر 

 

في تلك الليلة، لم يكن الظلام مخيفًا… بل كان صادقًا.

فالضوء أحيانًا يكذب، تظهر الأشياء كما تريد لها أن تُرى

أما العتمة، فتتركك وجهًا لوجه مع كونك… تائهًا.

 

كان يسير دون وِجهَة، لا لأن الطريق غائب، بل لأن المعنى نفسه اختفى.

تساءل:

هل التوهان أن أضيع في المكان؟

أم أن أكون تائهًا عن نفسي وأنا ما زلت أتنفّس؟

ولماذا كلما اقتربت من الإجابة، شعرت بأنني أبتعد أكثر؟

 

المدينة من حوله تتحرك، وهو عالق في نقطةٍ لا تُرى.

الوجوه تمر، الأصوات تتلاشى، والوقت لا ينتظر أحدًا ليجد نفسه.

في جيبه ورقة قديمة، لا يذكر متى كُتبت ولا من كتبها،

سطرٌ واحد يتكرر كقدرٍ مؤجل:

“ستصل حين تتوقف عن البحث”

لكن كيف يتوقف تائهٌ لا يعرف عن ماذا يبحث؟!

 

كان الليل ملاذه

وفي وحدته أسئلة لا يجرؤ على مواجهتها في وضوح النهار:متى أصبح التوهان مريحًا؟

ومتى صرت أختبئ خلفه بدل أن أنجو؟

وهل ما أفتقده بعيداً أم يسكنني؟

 

توقف أمام مرآة متجرٍ مهجور.

انعكاسه لم يكن غريبًا، بل موجعًا

عينان تعرفان الحقيقة،وشخص يقف متأخرًا عنها خطوة.

هنا فقط أدرك السؤال الذي لم يطرحه من قبل:

ماذا لو كان التوهان رسالة… لا لعنة؟

 

أعاد الورقة إلى جيبه، بلا سخرية هذه المرة.

وفهم أن الرحلة لم تكن بحثًا عن طريق

بل محاولة يائسة للهروب من مواجهة ذاتي .

 

في النهاية، ظنّ أنه فَهِم.

فَهِم أن التوهان كان داخله، وأن الرحلة انتهت عند هذا الإدراك.

لكن حين عاد إلى الورقة، وجد السطر قد تغيّر.

لم يعد يقول:

“ستصل حين تتوقف عن البحث”

بل كان مكتوبًا:

“ظننتَ أنك وحدك؟”

 

التفت حوله ببطء

وللمرة الأولى منذ زمنٍ طويل…

شعر أن هناك من يعرف طريقه أكثر منه.

وهنا فقط

بدأ التوهان الحقيقي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!