آية عبده
القوة تكمن في تجاوز الصعاب، والحياة هي إحدى المعادلات المعقدة جدًا، رغم أنها بسيطة للغاية، أما الشجاعة هي الوقوف أمام كل العثرات ببسالة، وأخيرًا الحب يعني الأمان.
إذا كنت تتساءل:
– هل البدايات تتجدد؟
وكيف يمكن أن يستمر انبهار البداية وجمالها حتى النهاية؟
= بإمكان كل واحد منّا أن يبدأ من جديد، ليس عليه أن يقلب الصفحة، بل يحضر كتاب جديد، ويستفيد من الأخطاء السابقة، كما هو الحال في الكتب نجد أحيانًا عدة طبعات، بعضها قديم والآخر جديد، الفرق بينهما تعديلات أضافها الكاتب، بالنسبة لكتابنا الجديد في الحياة الأمر مثل التوبة وطلب المغفرة، ثم بداية جديدة.
دعوني آخذكم في جولة قصيرة، عن إحدى ألطف لحظاتي:
لقد كنت الطفلة المدللة، يحبني جميع أفراد العائلة، حتى أنهم يتنافسون لإسعادي، قضيتُ أسعد أيامي في طفولتي.
لم يعرف الحزن طريقه إلي، ولطالما زاحمتُ العصافير في الأعالي ورقصتُ معها على الغيوم، إلى أن مرضتُ فجأة، ليس هذا وفقط بل أعطاني الطبيب الدواء الخطأ.
منذ ذلك الحين وكل امتحان يأتي كعاصفة، قبل أن تنتهي يباغتني حدث استثنائي، إلا أن لطف الله كان دائمًا ينجيني من المخاطر، ينقذني وأنا على الهاوية.
سافرتُ في محاولة يائسة؛ لأستعيد شغفي نحو الحياة، وأتناسى ما مررتُ له، ثم تحوّلت الحياة سريعًا، وأصبحت الأمور معقدة للغاية، أو ربما هكذا هي مرحلة المراهقة.
زارني الخريف في بداية العشرينيات، وما زال معي حتى الآن، تساقطت الأوراق التي كانت بمثابة الرفاق، والفروع وقعت أرضًا بعد أن كانت تمثل الأقربون، وسقطت الشجرة التي كنت أستند عليها -جدتي التي ربتني “رحمها الله”- دون أن أستوعب كيف حدث كل هذا؟!
كبرتُ آلاف الأعوام، واستيقظتُ من صدمتي لأجد أنني كأهل الكهف؛ تغيرت ملامح الناس حولي، حتى الأماكن ما عادت نفسها، أما قلبي فقد شاخ رغم صغره.
لطالما قدمتُ كل ما أستطيع بسخاء، كما لو أنني بحرًا، ما زلتُ على عادتي، فالبحر لا يختار زُوّاره، بل يعطي ويعطي السائلين حاجتهم بصمت.
مرّت السنوات سريعًا، تبدو جلية على ملامحي، لطالما واجهتُ الموت، ونجوتُ بمعجزة، الكلمة التي ترددت على لسان الأطباء والجميع دومًا، منذ نعومة أظافري إلى هذا اليوم.
وقعتُ مرات كثيرة، ثم نهضتُ دون أن أكترث للجروح التي أصبحت ندوبًا فيما بعد، انتشلتُ نفسي من قاع الأحزان، وتعلمتُ بعض المجالات المختلفة، قرأتُ الكثير من الكتب، وفي بدايتي الجديدة حذفتُ بعض الأشياء.
لفت انتباهي ما وجدته مكتوبًا على لافتة أمام جبل:
هنا ذرات تراب تجمّعت، فأصبحت جبلًا، في حياة أخرى كانت فتاة.
لو قرأتُ أحداث حياتي في رواية، لما تمنّيتُ غيري أن يكون بطلًا، كيف للمرء أن يكون بحرًا وجبلًا وفتاة في آن واحد؟