✍️ يوحنا عزمي
التغيير الأخير والخطير الذي طرأ علي مسار الحرب الأوكرانية ينذر بكارثة أمنية عالمية رهيبة إذا لم يتم التعامل معه بمنتهي العقلانية والحذر وضبط النفس ، وبلا تهور او اندفاع او الانزلاق نحو مجهول كبير قد يأخذ العالم وراءه إلي محرقة نووية قد تكون فيها نهايته.
كتبت عن هذا التطور الأخير منذ يومين وقدمت رؤيتي لما يحدث علي ساحة الحرب الأوكرانية الآن ، وها انذأ أعاود تحليلي لما قد يفضي إليه هذا التصعيد الأخير من تداعيات وعواقب وخيمة تتحمل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن المنتهية ولايتها المسئولية الأولي عنها أمام العالم وليس أمام شعبها فقط.
فتزويد أمريكا لأوكرانيا بمنظومة صواريخ اتكمز الإستراتيجية بعيدة المدي بخصائصها التقنية المذهلة ، مع السماح لها بضرب روسيا بها في عمق أراضيها ، هو قرار متهور ومجازف وقد يكون مبنيا في أساسه علي توقعات خاذءة ورهانات أمريكية خاسرة ..
فهو أولا يستخف برد الفعل الروسي المتوقع ، متجاهلا ان روسيا تملك اكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم والتي تتفوق بها كما ونوعا علي الترسانة النووية الأمريكية نفسها .. وضربها في عمق أراضيها هو كقيام روسيا بضرب فلوريدا من كوبا بنوعية مماثلة من الصواريخ ، ولنا ان نتصور وقتها ما سوف يكون عليه رد فعل أمريكا منها.
كما ان هذا التصعيد الأمريكي للحرب الأوكرانية ، يدخل روسيا رغما عنها ، وهو ما حاولت جاهدة ان تتجنبه طيلة الأعوام الثلاثة الماضية ، في حرب مباشرة ضد دول الناتو وعلي رأسها أمريكا وهو ما قد يشعل حربا نووية عالمية سوف يكون من المستحيل السيطرة علي مجرياتها او التراجع فيها ، فمتي بدأت فإنها لن تتوقف .. وهنا الكارثة كلها.
والرئيس بايدن بهذا القار الكارثي المتهور يورط ايضا الرئيس المنتخب ترامب بوضعه أمام مأزق رهيب قد يتعذر عليه الخروج منه بسلام ، مأزق قادته إليه إدارة راحلة يفترض فيها انها ليست اكثر الآن من إدارة تصريف أعمال ، اما قرارات السلم والحرب فإنها شأن الإدارة الجديدة القادمة إلي البيت الأبيض بعد شهرين من الآن إلا إذا كان ترامب قد أعطي موافقته المسبقة علي قرار التصعيد بعد استشارته فيه ، قاصدا من ذلك إجبار روسيا علي التوقف عن الحرب تحت الإكراه والتهديد بتدميرها ، ودفعها إلي التحول نحو مسار التسوية السلمية لنزاعها المسلح مع أوكرانيا ، وهنا المجازفة لأن التهديد قد يجدي مع دولة صغيرة ، ولكن ليس مع الدولة النووية الأولي في العالم ، دولة لها مكانتها وكرامتها وتستطيع ان تدافع عن نفسها ولو وقف العالم كله ضدها.
والشيئ المذهل بحق في هذا كله ، هو إنجرار إدارة بايدن ووراءها أمريكا كلها وراء الرئيس الأوكراني زيلينسكي في مغامرة غير محسوبة العواقب ، وزيلينسكي هو من استهلك كل هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة الأمريكية والأوروبية علي مدار ثلاث سنوات دون ان يحقق هدفا واحدا لبلده في هذه الحرب ، فلا هي وفرت له الأمن ولا هي أعادت إليه أراضيه.
وتعتقد ان الرئيس الروسي بوتين حتي وان كان قد وافق علي تحديث عقيدة روسيا النووية بما يتيح له استخدام أسلحته النووية ضد أوكرانيا وضد دول الناتو ، إلا أنه سوف يلتزم العقلانية والحكمة في رد فعله ، ولن يتهور ، وقد يفاجئ العالم بمبادرة غير متوقعة منه توفر علي البشرية دماراً مرعبا لن ينجو بلد او شعب واحد منه .
نعيش مع أوكرانيا اليوم ما سبق لنا ان عشناه مع أزمة الصواريخ الكوبية في عام ١٩٦٢، ولولا حكمة وعقلانية الزعيم السوفيتي خروشوف واقدامه علي نزع فتيل هذه الأزمة الدولية الرهيبة ، لما كنا ما نزال موجودن.
وبالقرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأمريكي بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ اتاكمز Atacms الأمريكية بعيدة المدي لضرب روسيا في عمق أراضيها كرد علي نشرها قوات كورية شمالية تقاتل إلي جانبها ضد اوكرانيا ، وهو القرار الذي ايدته معظم دول الناتو ، فإنه يكون قد وضع الرئيس الروسي بوتين في مأزق كبير بشأن طبيعة رده المحتمل علي هذا التصعيد الجديد.
وعلي الفور سارعت روسيا إلي التعبير عن مخاوفها الشديدة مما قد يفضي إليه هذا القرار من عواقب كارثية هائلة قد تفضي إلي إثارة حرب عالمية ثالثة ، وهو ما حذر منه نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف ، وكذلك رئيس الدوما او البرلمان الروسي.
عندما قال ان روسيا قد تجد نفسها مضطرة إلي إستخدام أسلحة جديدة لم يسبق لها استخدامها في هذه الحرب ، وكان يلمح بذلك إلي إمكانية استخدامها لأسلحة دمار شامل ، اي أسلحة نووية بالأساس ، وهو ما يعكس طبيعة الأجواء السياسية المتأزمة السائدة في موسكو الآن.
وإذا كان هذا هو ما يردده الكرملين الآن ويحذر بشدة منه ويحمل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بالمسئولية عنه ، إلا ان ما اتوقعه هو ان يسارع الرئيس بوتين إلي الإعلان عن استعداده لوقف إطلاق النار لتجنيب أوروبا والعالم وبلاده أولا ، بطبيعة الحال، حربا نووية عالمية قد يكون فيها الدمار الشامل للجميع ، والانطلاق بعده إلي البحث عن تسوية سياسية مقبولة لأزمة هذه الحرب .
ولا أعتقد ان قراراً بوقف إطلاق النار يكون الرئيس بوتين هو المبادر إليه ، سوف يهينه او يسيئ إليه ، وهو من حقق انتصارات عسكرية مهمة في الفترة الأخيرة شهد بها الرئيس الأوكراني نفسه وانما قد يجلب تقدير العالم له ، كما قد يلقي صدي ايجابيا قويا له لدي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ، لأنه يتفق مع توجهاته بضرورة انهاء هذه الحرب.
وكذلك سوف يجد تجاوبا معه من قبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي يبدو في وضع عسكري صعب ومتأزم للغاية ، وهو الذي اصبح يلح الآن في طلب انهاء هذه الحرب بالوسائل الدبلوماسية ، وهو يري ان إدارة الرئيس ترامب سوف تكون الأقدر علي تحقيق ذلك فهو لم يعد مع التصعيد كما كان يفعل في المراحل السابقة من هذه الحرب التي انهكت بلاده واستنزفتها ودمرت لها اقتصادها وكانت وبالا عليها.
لقد أصبح من الواضح تماما ان هذه هي النقطة التي يجب ان تتوقف عندها الحرب الأوكرانية بعد ان جاءت نتائجها علي الأرض خاذلة بشدة لتوقعات كل الأطراف المشتبكة فيها ، ولم تحقق الأمن المنشود لاي من الطرفين الروسي والأوكراني بالمستوي الذي كان كل منهما يأمله ويتوقعه لنفسه عندما بدأت هذه الحرب منذ نحو ثلاثة أعوام وبرغم التكاليف الفادحة التي تكبداها فيها.
وقد يكون قرار الرئيس بايدن الأخير بترويد أوكرانيا بهذه النوعية المتطورة من الصواريخ بعيدة المدي هو نقطة النهاية في هذا الإتجاه ، اقصد للتعجيل بإغلاق ملف هذه الحرب الأوروبية المكلفة من حروب الاستنزاف ، والدخول بعدها في مرحلة جديدة من التفاهمات السياسية والتسويات الأمنية التي سوف تزيح عبئا ثقيلا من علي عاتق أوروبا والعالم.