لجين سامح.
أبدأ الكتابة، كطقس أخير للنجاة، قهوتي البنية عن يميني، وعن يساري جهاز الموسيقى الذي أهداني إياه..
والأوراق بين يدي، كتلة واحدة، من ورق مزقته الكلمات
من بكاء أهدر سلفًا،
من حبرٍ غرق في الأنين
” أكتب إليك يا عزيزي.
أنا الفتاة التي طوت الحرير،
التي تقف في الشرفة كل صباح وتغني – مثل كتب الأطفال-
أنا الفتاة التي تجلس مساءًا عند آلة الخياطة،
من أجل بضع قروش،
أنفقها على مساحيق التجميل والعطور
أكتب إليك أنت الغائب، مثل دواة سقطت من الورق،
مثل..خيط أتلف الآلة
مثل.. عصفور جريح، أكله الموت عند شجرة يابسة
لقد قلت لي آخر مرة التقينا عند أشجار الصفصاف، حين سعف النخيل من ورائها، وتبادلت ضحكاتي مع بكاء الفتاة التي جلست على المقعد..
فتركت ضحكي، وآثرت بكاءها
قلت لي :” الحزن هو الشيء الوحيد الذي لا ينبغي لي تجاهله..”
رغم أنني تجاهلته، رغم أن المارة تجاهلوه، رغم أن.. الأشجار لم تتوقف، والرياح لم تهدأ، والمياه ما زالت تهدر
“سأرى ما خطبها..”
تفلتت من يدي، تساءلت عن حالها، حتى تفتت وجودي مثل الخبز بين يدي الطفل المارّ..
ابتعدت، وسمعت سعف النخيل وحدي،
وتشممت رائحة عباد الشمس وحدي
وذهبت لمحل القماش وحدي ..
وسرت، مثل فتاة ترتدي الحرير
حتى عرقل طريقي رجل آخر..
حين أسقطت كيس القماش
التقطه..
ونظر نحو ابتسامتي
شكري،
وعيني السوداويين
وابتسم
وكانت ابتسامته مثلك تمامًا في لقاءنا الأول .
رحلت، ولملمت الباقي مني على آلة الخياطة،
فأنت تعلم يا عزيزي النساء لا ينتظرون..
الفساتين لا تنتظر
ولم أشعر بي سوى وأنا أنهي فستانًا تلو الآخر، حتى تيبست يداي
فصنعت القهوة، وجلست أكتب لك .
لأن تلك هي رسالتي الأخيرة،
لرجل التفت إلى عوينات، بينما كان يملك عينين
لرجل.. آثر البكاء، على ابتسامتي
وغرق في الوقت،
حتى نسيني
والتفت في اللحظة التي أكل العدم فيها الوجود..
أرجو أن تكون بخير مع مآسيك،
وأن تتجرع الدموع تحت أشجار الصفصاف،
ويصبح الشاي الذي تشربه كل صباح،
من أجل أن تتناسى بقاءك على قيد الحياة..
التي كانت مخلصة لك: سارّة.
الوداع.”