شـﮭـد عبد اللطيف
قالت زميلتي أنها قامت بشراء آخر إصدار من ألبوم فنانها المفضل، وقالت أيضا أنها اشترته حتى قبل أن يتم الإعلان عنه في الأسواق.
كان كل الأصدقاء يلتفون حولها في حالة ذهول ودهشة، وأنا مثلهم لا أعرف هل كان بسبب حصولها علي هذا الكم من المال دفعة واحدة، أم كونها أنفقته على ألبوم غنائي؟ أم بسبب والدها الذي استطاع إحضاره لها حتى قبل أن يباع في السوق!! وكنت أتساءل و أتحدث مع نفسي عن السبب وكانت الإجابة هي “المال”.
نحن نعيش في عالم من الازدواجية فالأغنياء يحلمون أحلاماً كبيرة والفقراء يحلمون أحلاماً صغيرة، مع احتمالية عدم تحقيق هذه الأحلام حتى، مهما كانت صغيرة. ولكن أيهما أسعد؟
الفقراء ربما لا يملكون المال ولكن ربما لديهم بعضاً من السعادة و الأغنياء ليس لديهم أي سعادة غير المال والاستمتاع به و إنفاقه هنا وهناك.
عدت إلى منزلي و أنا مرهقة من التفكير ومن كثرة الأسئلة التي تدور حول شيءٍ واحدٍ وهو المال.
و ها هو منزلي العزيز الصغير الرث والقديم، أنا أحبه لكن لا أستطيع أن أراه سوى بهذه الصورة الفقيرة فصديقتي تمتلك منزلاً ضخماً تكاد تجزم أنه مصنوع من زجاج من شدة بريقه.
دخلت إلى غرفتي وضعت كتبي وحقيبتي التي لا أتذكر متى اشتريتها حتى ربما توارثناها عبر الأجيال وبدون أن أدرك تذكرت حقيبتها الرائعة من ماركة قوتشي العالمية وجلست أفكر إن كنت أملك ثمن الحقيبة ماذا كنت سأفعل به يا ترى؟
و قطع حبل أفكاري، بل نقول حبل أوهامي صوت أمي وهي تناديني لتناول الغداء، يا ترى ما هو طعام اليوم؟ دعوني أخمن، لكن بالطبع لا مجال للتخمين فأبي لا يملك المال الكافي إلا لشراء بعض الخضروات.
إنه حساء العدس مجدداً، جلست على طاولة الغذاء وأنا أتأمل عائلتي، وماذا رأيت؟
أمي تبتسم وهي تضع لنا الحساء الساخن في الأطباق، وتُمازحنا وتقول “اليوم لدينا وجبة فريدة من نوعها تمامًا ” ضحك أبي وقال: ” أوه يا إلهي أنه حساء العدس دعوني أتذوق.. يا للروعة يا زوجتي أنت طاهية بارعة ” وإخواني يلعبون حول الطاولة بالكرة التي صنعتها أمي لهم والتي لا أعرف حتى مم صُنِعت؟ لكنهم يلعبون ويضحكون سويًا غير مكترثين لأي شيءٍ من حولهم.
ابتسمت أنا أيضاً عندما تذكرت صديقتي وهي تبكي في يوم من الأيام وتقول أنها لم ترى والدها منذ أشهر لأنه يسافر للعمل ولا يكترث لها وكذلك والدتها تلهو مع أصدقائها ولا تجد أحداً تتناول الغداء معه إلا الخادمة لأن أخيها هو الآخر ترك المنزل ليعيش في منزله الخاص بعيداً عن الضوضاء!!
وهنا أدركت أن حساء العدس مهما يبدو رخيصًا إلا أنه أغلى بكثير من حقيبة القوتشي تلك، وأننا لسنا بحاجة إلى المال أبداً لنشتري سعادة إخوتي والحب بين والداي، لأن السعادة والحب والقلب النقي هما عملة الفقراء لشراء حياة سعيدة وهادئة.