✍️ يوحنا عزمي
من الصعب في منطقة الصراعات والحروب والأزمات والنكبات الأولي في العالم ، التنبؤ الدقيق بمجريات الأحداث المقبلة ، فالتوترات تتفاقم ، والصراعات المسلحة تتجه نحو التصعيد
وما يقال في واشنطن حول الحاجة إلي التهدئة وخفض التوتر ومنع التصعيد ، وقصر الرد علي ما تتعرض له القواعد والقوات الأمريكية في سوريا والعراق ، علي وكلاء إيران واذرعها فيهما وذلك ضمن الحدود الضرورية لاحتواء تهديدهم لدور امريكا وتواجدها في احد أهم مناطق نفوذها ومصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في العالم .. هذه الإعلانات الدبلوماسية الأمريكية
لا تعبر بصدق عن النوايا الحقيقية التي تكمن وراء هذه التطورات الأخيرة في مناخ إقليمي يمتلئ كما لم يحدث من قبل بكل عوامل التهديد والخطر.
فإسرائيل دولة مارقة وخارجة علي القانون الدولي وعلي ميثاق الأمم المتحدة وعلي إرادة المجتمع الدولي ، وهي اقرب لأن تكون دولة منفلتة ، وهي تتصرف بلا اكتراث بالمواقف الدولية الرافضة لانتهاكاتها لقواعد القانون الدولي الإنساني في غزة ولحرب الإبادة الجماعية الشاملة التي تخوضها ضد المدنيين الفلسطينيين ، وهي ماضية في تنفيذ خططها العدوانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتي النهاية .. ولن تتوقف إلا بعد ان تكون قد دمرت ملف القضية الفلسطينية تماما وفرضت الأمر الواقع الجديد الذي تخطط له .. فالخطط والمشاريع جاهزة حتي من قبل إطلاق حماس لعملية طوفان الاقصي ، وجاءت الأحداث بعدها لتوفر لها الظروف وكذلك الأرضية اللازمة لتنفيذ كل ما كان ينتظر شارة البدء.
وعلي الجانب الآخر ، تقف الأطراف العربية، وهي أطراف غير مؤثرة وتكاد تنتهج موقفا محايدا بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، ولم تصدر إدانة عربية رسمية واحدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي كمجرم حرب ، والتحذيرات التي تصدر من بعض العواصم العربية لإسرائيل لا تجد صدي مسموعا لها في تل ابيب ، وهو ما يفقدها جدواها ويساعد علي إطالة أمد الحرب علي غزة .. ويضاعف من حجم الدمار الذي يحدث لغزة علي ايدي الإسرائيليين.
وأما روسيا والصين ، فإن مواقفهما لا تؤثر بأي شكل علي الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط ، وقد يكون السبب راجعا إلي انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا مما يجعلها تتوخي الحذر في تحركاتها تجنبا لإثارة مزيد من العداء الغربي لها ، واما عن السبب بالنسبة للصين ، فهو حرصها علي عدم توتير علاقاتها مع أمريكا والغرب
من أجل غزة او فلسطين ، واضعة في اعتبارها ان هذا الصراع
ليس جديدا ، وان أي موقف متشدد فيه قد يتفاعل ضدها ويلحق الضرر بمصالحها ، وهي لذلك تحاذر وتبتعد وتكتفي بعبارات الدعم للفلسطينيين في أضيق الحدود وبما لا يساء تفسيره من قبل الغرب او حتي من قبل الإسرائيليين.
وأما إيران ، فأنها غارقة حاليا في حساباتها للموقف الراهن في المنطقة وللاحتمالات التي يمكن ان يتطور إليها وينعكس به عليها وهو ما يعني تركيزها علي السيناريوهات التي يمكنها الرد بها علي كل واحد من تلك الاحتمالات ، وهي عملية حساسة ودقيقة ومعقدة للغاية .. مهما تظاهرت بغير ذلك.
اخيراً تبقي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بلا دور او موقف او قرار ، وامينها العام جوتيريتش يبدو تائها ومتردداً ، ولا يملك غير التصريحات الروتينية التي اعتاد العالم علي سماعها منه ولم يعد يعيرها اهتماما.
هذا هو الشرق الأوسط الراهن وهذا هو المناخ الإقليمي والدولي الذي يحيط به ويوثر فيه كما يتاثر به .. المسارات فيه متقاطعة والمصالح والأهداف متضاربة ، والعشوائية في إدارة أزماته تكاد تكون هي النمط الغالب وهو ما يربك المحللين ويشوش علي رؤيتهم ويفقدهم القدرة علي الإجابة علي السؤال الذي بات يفرض نفسه في كل مكان وهو : الشرق الأوسط إلي أين ؟