✍️صفاء البحار
في رحلة الحياة المليئة بالمفاجآت، تُطل علينا النهايات بأشكالٍ مُتنوعة، بعضها يبشر بآفاقٍ جديدة تُضيء الدروب وتُبعث الأمل في القلوب، بينما يُخلف البعض الآخر ندوبًا عميقة على القلوب حزنًا عميقًا وتترك آثارًا لا تُمحى، ومنها ما نسعى إليه بشغفٍ ورغبة عارمة، نُخطط له ونُعد له العدة، فننتظره بفارغ الصبر، بينما تأتي نهايات أخرى على حين غرة، دون سابق إنذار، لتُغير مجرى حياتنا وتُعيد صياغة معالمها بشكلٍ مُفاجئ.
ولكن لا تُمثل النهايات دائمًا خاتمة للشيء، بل قد تكون بداية جديدة لشيء آخر، فما هي إلا محطات في رحلتنا، حكاية مُتصلة، تُلونها النهايات بتجارب مُتنوعة. فمثلاً، تُمثل لحظة الولادة أولى النهايات، حيث نُفارق عالم الرحم ونبدأ رحلتنا في الحياة، ومع مرور الوقت، تتنوع النهايات، كفطامنا عن الرضاعة، ودخول المدرسة، ثم انتهاء مرحلة الدراسة، ودخول سوق العمل وخوض غمار تجارب مهنية جديدة في حياتنا تختلف فيها النهايات، ومع كل نهاية، تبدأ قصة جديدة.
النهايات حتمية لا مفر منها، لكنها في الوقت نفسه ليست نهاية المطاف، بل هي بداية جديدة لشيء آخر، ومهما كانت النهايات سعيدة أم حزينة، متوقعة أم مفاجئة، فهي جزء من رحلة الحياة، إنها بمثابة محطات هامة في هذه الرحلة، ومع كل نهاية، نتعلم درسًا جديدًا، لنصبح أكثر قدرة ونضجًا وقوة نفهم قيمة اللحظات الجميلة ونستمتع بها بعمق أكبر، نبني مستقبلًا أفضل لأنفسنا ولمن حولنا، فلا يجب أن نخاف من النهايات، بل يجب أن ننظر إليها كفرص جديدة للتعلم والنمو.
ويجسد لنا القرآن الكريم في سورة يوسف رحلة نبي الله يوسف عليه السلام، ليعطينا مثالاً حيًا على أن لكل نهاية بداية جديدة، وأن أشد المحن قد تصبح مفتاحًا لبدايات سعيدة، فقد واجه يوسف عليه السلام العديد من المحن والابتلاءات، بدءًا من ظلم إخوته له، مرورًا بعبوديته في مصر، وصولًا إلى سجنه ظلمًا، ورغم ما مر به من محن، صبر يوسف عليه السلام واحتسب، ففُتح له باب العزة والكرامة، ليصبح عزيز مصر.
منذ عدة سنوات، قرأتُ في إحدى الصحف قصة حقيقية عن طالب واجه الظلم وتحدى الصعاب ليُحول حلمًا مُحطمًا إلى نجاح باهر، فقد حلم بأن يصبح معيدًا في إحدى كليات القمة، فتفوق في دراسته وتكللت جهوده بالنجاح، لكن سعادته لم تكتمل، فعندما حان وقت تعيينه معيدًا في الكلية، واجه تعسفًا من أحد الأساتذة الذي رفض تعيينه، أصيب الطالب بخيبة أمل عميقة، وشعر وكأن أحلامه قد تحطمت وأنها النهاية.
فهجر إلى بلدٍ آخر، وواجه العديد من الصعوبات، حتى نجح في تأسيس عمله الخاص، وحقق فيه نجاحًا كبيرًا، وذاع صيته، وبعد مرور سنوات، تزوج وأنجب طفلين، وعاش خلالها حياة سعيدة مليئة بالإنجازات.
لم تكن قصة أوبرا وينفري، مقدمة البرنامج الحواري الشهير “The Oprah Winfrey Show”، قصة نجاح تقليدية، بل رحلة استثنائية مليئة بالتحديات، فمن قاع المعاناة إلى قمة النجومية، نشأت أوبرا وينفري وسط عائلة فقيرة، وعانت من الإهمال، وعلى الرغم من الظروف الصعبة، أصبحت أوبرا وينفري أيقونة عالمية وملهمة لملايين الأشخاص حول العالم، وعُرفت بقدرتها على التواصل مع الناس، وفهم مشاعرهم، وإلهامهم لتحقيق أحلامهم، ولم تقتصر إنجازات أوبرا على مجال الإعلام، بل أسست وينفري “مؤسسة أوبرا وينفري” لدعم التعليم والتمكين المجتمعي، وقد ساهمت المؤسسة في تحسين حياة ملايين الأشخاص حول العالم.
وهكذا تأخذنا رحلة الحياة في دروبٍ لا حصر لها، قصصٌ حكاياتٌ لم تُكتب نهاياتها بعد، فكل يوم يُخبئ لنا تجارب جديدة ونهايات مُتباينة، ومع كل نهاية تنبثق قصةٌ جديدة، تُنسج خيوطها مع خيوط ماضيها، لتُشكل لوحة حياتنا المُتكاملة.
تُعلمنا هذه النهايات دروسًا قيّمةً؛ لتُؤكد لنا أن الحياة رحلةٌ مُستمرة لا تتوقف عند مُفترق الطرق، فحتى في أحلك الظروف وأشدها يأسًا، يبقى أمل بالفرج من الله تعالى، فهو القادر على إصلاح كل شيءٍ وإعادة الأمل إلى قلوبنا.
الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة