سامح بسيوني
عمر ريحان
كلمة مجردة هكذا من أي وصف أو إضافة… مخيفة من وجه ومثيرة من وجوه؛ لأنها تغرق الإنسان في استذكار شيء مضى قد لا يحب أن يدور بحال من الأحوال في خلده مرة أخرى.
وقد تغرفه في موج من الحدس والاستشراف إلى ذاك المصير المجهول في رحلته المشوبة بالمخاطر.. المحفوفة بالشهوات والملاذ الخادعة- أعني الحياة-
فما حياة الإنسان كلها إلا رحلة تبدأ من الحقير ولا تنتهي إلا به، قصيرة أشد ما يكون القصر! ورغم قصرها هي ذات أطوار تبدأ بالتكوين في الظلمات الثلاث، ثم تدفع به وتقذفه إلى عالم خارجي ليس بأحسن مما خرج منه، يروعه ما فيه فيصرخ باكيٌا مع أول نفس يتنفسه، كأنه لا يود خوض غمار هذه الرحلة في ذاك العالم الخارجي، يود أن لو عاد القهقري إلى تلك الظلمة، كأنه ألقي في روعه وهو يعلم ما سيعانيه عاجلًا أو آجلًا، فتمنى الفرار منها إلى الظلمة فرآها أهون عليه مما سيلقاه، ولن يكون له بد من النزوح إليها.
وهنا تبدأ رحلة الإغراء الأولى فيدلل غير محجور عليه، فيصنع الحنفية ويظل هكذا إلى أن يبلغ سن التكليف، وفيه يؤاخذ على الصغير قبل الكبير من الأعمال، ولن يحجر عليه أيضًا فيما يصنع فقد جرت حكمة الله أن يكون مخيرًا فيما يقول ويفعل- هداه الله النجدين- طريق الخير وله منه النصيب الأوفر بحكم خلقه على الحنفية، وبقدر استقامته على المنهج، وطريق الشر وله مغريات شتى ودعاة يسعون سعيًا حثيثًا؛ لأن يسلكه.
وتبدأ الرحلة بالأعداء أولهما: إبليس قائم بالمرصاد يغر نفسه الأمارة يعبد لها الطريق الغرارة، يستميلها بالخداع والزينة وبكل حيلة مسكينة فتجاوبه أحيانًا كثيرة وتأبى عليه مرات قليلة، وتظل هكذا المسكينة بين شد وجذب ومد وجزر وتأهب واستشراف ينازع الهوى فيها الإستقامة.
كل هذا في حيرة دائمة وتساؤل مستمر اي جانب يكون النصر حليفه، وإلى أي مصير تنتهي تلك الرحلة الرحلة لحقيقة أم سراب، والنفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرها في مرتع وخم، تطغى إذا مكنت من لذة وهوى طغى الجياد إذا عضت على الشكم، والكيس من دان نفسه ونظر في عواقب لذه،وأشد الناس جهلًا من نهم في ملاذ محظورة تغر الغمر وتهدم العمر وتديم الأسى، ويظل في شهواته وملذاته فلا تنفع فيه عظة ولا عقبة؛ ويكون كمن أغمض عينا في جفنها الأقذاء ..وبينا هو كذلك تباغته المنية، وتبدأ حياته البرزخية ويلقى حينها عاقبة كل بلية.
هكذا مرت سريعًا رحلة الحياة، وكأنها برق يخطف الأبصار من شدته وروعته، فحملوني إلى قبري منفردًا لا مؤنسًا استأنس به ولا حبيب فاستظل به.
فانتقلت من رحلة الدنيا العفنة بذنوبها إلى رحلة البرزخ التي كنت اتخيلها في يقظتي ومنامي، أسمع صوت قبري يصدر صوتًا كالصاعقة في اذني، ويحكمون على الباب وكأني مسجونًا أفكر في هروب من مسجني، وبكاء الأحبة من خارج القير يؤلمني ودعاءهم يقلل من حزني وهمي.
فواروني بالتراب ورحلوا وأصبحت في خبر كان وكأني لم أكن قريب من اسمها الذي رحل.
وظللت في وحشة وغربة؛ انتظر ساعة الصفر في خوف وذعر من هذا اليوم، وندمت على ما فرطت في جنب الله وإن كنت من الخاطئين.
وبين عشية أو ضحاها نفخ في الصور فصعق من السماء والأرض، اضطراب في السماء النجوم تساقطت الشمس كورت الجبال سيرت الوحوش حشرت النفوس تقابلت وتزوجت والجحيم سعرت والجنة ازلفت.
الأمر مخيف خرجنا من قبورنا كالجراد المنتشر وكل نفس مع ما كانت في الدنيا تزوجت.
فرأيت أناسًا خرجوا عميانًا يتخبطون في الظلمات، فعلمت بأنهم هم الظالمون، ورأيت أناسًا تزفهم الملائكة زفًا، وموكب في انتظارهم فقلت من هؤلاء قالوا هم المتقون.
ورأيت صراطًا ممتد على جسر جهنم، وعليه خطاطيف تخطف الى جهنم وبئس المصير، فسقط قلبي من الخوف والروع، وتمنيت النجاة مهما كان الثمن.
ورأيت رجلا تشرق الأنوار من وجهه، ويقف على حوض يسقي بيده المؤمنين شربة هنية لا يظمأ بعدها أبدًا، فعرفت بأنه الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم-
فأخذنا الى الجنة ورضوان خازنها يقول السلام عليكم بما صبرتم فنعم أجر العاملين.
وانتهت رحلتي إلى جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واسترحنا من عناء الدنيا ووحشة البرزخ ونادت علينا الملائكة (أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنت تعملون)