ندى يحيى
كانت تشبه ساعة الظلام الكالح ، أو صراخ طفل صغير يطلب النجاة من الظلمة ، بدى كل شيء بلا ملامح عندها.
لم ينتابني في ظل كل ذلك إلا شعور واحد وهو:
كيف سأعبر إلى الضفة الأخرى في وسط هذا الظلام ؟
كانت المرة الأولى التي لا أعرف فيها طريقًا للنجاة.
بات الطريق خاوي وكأنني كنت طوال ذلك الوقت أجلس داخل سفينة مثقوبة في وسط البحر، كان الغرق بها أمر لا فرار منه ولكني كنت أنكر ذلك كل ليلة إلى أن أصبحت أنا والعالم هنا تحت ركام السفينة الغارقة.
أعرف جيدًا أن بين الحلو والمر شعرة واحدة تُدعى الرضا فإن فُقدت سيشعر المرء طوال الوقت أن العالم مُظلم وغير منصف.
ولكن على الضفة الأخرى من الحياة وبين أطنان كل ذلك الرضا يوجد ركام ملئ بالقصص والحكايات لأحلام فقدت وحكايات انتهت قبل لحظة البداية وغربة ملأت قلوب الجميع.
قد تمنحك الحياة بعض الحظ لتجعلك ترى كل ذلك الركام من على بعد أميال بعيدة وقد تصبح أقل حظًا فتجد أنك تقف في منتصفه تسمع أصوات كل الذين طلبوا النجاة دون جدوى.
فأنا هنا قد أبدو أقل حظًا حين وجدت نفسي أقف دون خيارٍ مني وسط ذلك الركام ، أستمع لدقات قلبي المتسارعة ، صوتي الخافت ، وأطنان الأفكار المظلمة في عقلي، وكلما منحتني الحياة رحلة جديدة ازدادت هواجسي من تكرار النتائج، خوف مميت قد يقتلك ببطىء أسوء من طلقة رصاصة تنهي حياتك في ثواني.
هواجس خسارة الأحباب في كل ليلة أمر يعرقل سير الحياة بشكل طبيعي ستشعر في كل ليلة وكأن الحياة قد مرت فوق وجهك.
رحلة علاج أفكارك السوداوية هي واحدة من أكثر الرحلات التي تتطلب جهد سنوات ، صراعات ما بين النهوض ووهم النضج ثم الانتكاسة من جديد.
ولكن في حقيقة الأمر أن حقيقة كل ذلك تكمن في رحلة البحث عن الحكمة والفرصة ومعجزة النجاة حتى الآن من بين أطنان ركام أفكارك الكارثية وتعلم أهم مهارة خلقتها البشرية وهي كيف تحول أفكارك إلى ضحكات تتمثل في كوميديا سوداء ستنجيك من بين كل ذلك في أوقات الظلام إن أفلت الجميع بحبل النجاة الأخير .
لأكتب حينها رسالتلي الجديدة لصاحب الظل الطويل وأخبره أنني هنا مرة أخرى أكتب لك رسالتلي الجديدة لأخبرك بأنني ضحكت عدة مرات اليوم على بعض الأشياء التي كان يتوجب عليا البكاء فيها. فقدت نجوت مجددًا من نوبة اكتئاب كارثية كنت أظنها الأخيرة.
