هاجر متولي
يقول أحدهم في وصف محبوبته: ” عندما رأيتك لأول مرة وددتُ أن أسمع صوتك، وعندما حظيتُ بسماع صوتك، ما تمنيتُ إلا أن أراكِ، وبمجرد أن رأيتك وقعتُ في حبك”.
الرجال يا سادة، عندما يستهويهم حب امرأة ما، فإنه يبدع في وصف ما يعيشه معها، وتجده يبعد ذاته تلقائيًا عن أي شيء؛ يؤدي لفشل العلاقة بها، ويكتفي عن العالم بطبيعة مشاعره تجاهها، ويفكر في كل خطوة يخطو بها ـ كما لم يكن يخطو من قبل ـ يكون في أزهى صوره، ويُكمل ما تمنىٰ معالجته بنفسه بجرعة الحب تلك، ويعي أن أعتناءه بها هو ما يجعل ما بينهما يدوم للأبد.
أما النساء فتبقىٰ أسيرة للحظات حنان تعيد ما تخلل بها من فوضى، ولحظة اكتشاف لما لم يرده بعد لها، وتنعم بدفء قربه منها وهو يدللها كطفلته، ولا تكتفي إلا بوجوده بجانبها حتى لو جعلها تملك العالم بأسره، وتود تتلذذ بعطائه لها لتثبت لذاتها أنها مازلت تتخلل وجدانه.
ورغم علمي بذلك، فقد راودتني فكرة عجزت عن إيجاد جواب لها: الذين انفصلوا أين ذهبت مشاعرهم، حبهم، رسائلهم، ولحظاتهم الجميلة؟
ماذا فقد بينهم حتى انتهت علاقات دامت فترات طويلة، وماذا كان عليهم حتى يبقىٰ حبهم دافعًا للاستمرار؟
نعلم جميعنا أن طبيعة الرجال تختلف عن النساء، حتى في إظهار الحب والاهتمام، نرى أن الرجل يبدع في إظهار حبه في بداية العلاقة، وتخجل المرأة من ذلك، ومع الارتباط يظل لهيب الرجل مشتعلًا؛ ليعرف كافة الأشياء التي عجز عن تفسيرها قبل أن يحظىٰ بقربها، وحينما يصل لإجابات لكافة تساؤلاته، يبدأ في النفور، ليس لانتهاء حبه لها، ولكن لانتهاء شغفه في اكتشاف ما بها، وتظن حينها المرأة أن الحب بدأ بالتخفي، وأنه لم يعد يحبها ـ كسابق عهدهم ـ ولم يعي الرجل، حينها ما تفتقده معه.
أيها الرجل المرأة مهما تقدمت بالعمر، فإنها تريد إثبات دائمًا أنها مازالت ملاذك الأمن، ولا تود إلا أن تقف جنبًا بجانبك في مواجهة متاعب الحياة، وأن تسيروا معًا ليلًا كل مساء، وأن تتبادلوا الحديث حول كيف مر اليوم بدونها، وأن يومك لا يبدأ إلا عندما تكون بجوارك، وأنها راحته الأبدية التي لا يستطيع الاستغناء عنها… تلك الأشياء ترد لها كيانها كإمرأة، وتبقيها طفلتك ومأمنك، فلتعلم ما توده منك، وإلا ستجف مشاعرها تجاهك مع الأيام.
أما الرجل فيظن أنها قد ألمت بكل ما تحتاجه من إجابات ـ كما يود منها ـ ولكنها لا تحتاج لمعرفته ولإيجاد إجابات، تود قربه الدائم، وحنينه الذي لا ينقطع، ولهفته التي تؤثر قلبها… وهو يظن ببعده عنها أنه يجدد علاقة الشوق لها، فيحدث الفتور بينهما لأن كل منهما لا يفصح بما يكنّه للأخر.
ما الأنثى إلا حديقة مليئة بكل أنواع الجمال، ولكنها تُصاب مع الوقت بالتصحُّر، لأنها تفتقد ما يسقي جذور حبها بالاهتمام والكلمات، ومن وجهة نظري فإن الرجل وحده هو القادر على جعل العلاقة صحيّة، وهو من يجعلها سيئة، فهو المفتاح لتحظى بجرعات اطمئنان، وما المرأة إلا رد فعل لفعل الأساسي أيًاكان.
فإذا بقىٰ الحب بينهما، وأعتنيتُ أنت بالأشياء كالبدايات، أظن أنها ستبقى معك للنهاية.