بقلم الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
تقول لي صديقتي كنت محظوظة بوالدين عظيمين، عندما كنت طفلة، كانا دائمًا يقفان بجانبي في كل المواقف، أتذكر عندما واجهت مشكلة في المدرسة، ذهب أبي مباشرة لحلها، وعندما حدث خلاف بسيط مع إحدى صديقاتي، كانت أمي تتدخل بحكمة لحل الأمر، حتى عندما تعرضت لسرقة أول راتب لي من عملي، لم يتردد أبي في تعويضي، فبفضل دعمهما وحمايتهما، استطعت أن أتخطى كل الصعوبات التي واجهتها في حياتي، رحمهما الله.
لكن الحياة، كما يقولون، لا تسير دائمًا على وتيرة واحدة، ما اعتبرته في الماضي تحديات كبيرة، أصبح الآن مجرد ذكريات، ومع ما وجهته من محن أدركت أن الحياة مليئة بالمفاجآت والتحديات التي تتطلب مُواجهتها بشجاعة وإصرار، ورغم أنني فقدت سند والديّ، إلا أنني تعلمت الكثير من دروسهما الثمينة، والتي ستظل دليلي في مُواجهة كل ما يخبئه المستقبل.
ما قالته صديقتي يعكس تجربة شائعة يمر بها الكثيرون منا، وهي الانتقال من مرحلة الحماية الأبوية إلى مُواجهة تحديات الحياة بمفردنا، حيث تتجلى حكمة الحياة في أن كل مرحلة تحمل بين طياتها دروسًا قيمة تؤكد ضرورة الاعتماد على أنفسنا، هذه التجربة وإن كانت صعبة، إلا أنها تشكل لنا فرصة للنمو والتطور، واكتشاف قدراتنا الكامنة، فكما يقول المثل:” إن الضربة التي لا تقتلك تجعلك أقوى”.
على الرغم من أهمية الاعتماد على الذات، إلا أن طبيعتنا الاجتماعية تجعل الدعم الاجتماعي عنصرًا لا غنى عنه في تجاوز الأزمات، ومع ذلك، غالبًا ما نقع في فخ التوقع من الآخرين أن يحلوا مشاكلنا، وعندما لا نحصل على الدعم المتوقع، نشعر بخيبة أمل عميقة تزيد من معاناتنا.
حيث تكمن المشكلة في أن كل فرد ينظر إلى العالم من خلال عدسته الخاصة، مما يجعل من الصعب فهم معاناة الآخرين بعمق، بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما نجد صعوبة في مواجهة التحديات، حيث لم نتعود على التعامل معها منذ الصغر، هذا النقص في المهارات اللازمة لإدارة ما نوجه في حياتنا من تحديات يجعلنا أكثر عرضة للإحباط.
لذلك، يعتبر تعلم المهارات اللازمة لإدارة تحديات الحياة وتجاوزها بنجاح، أمر ضروري، كما يجب على الوالدين أن يتولوا ضمن منهج تربيتهم لأبنائهم التدريب على مُواجهة الصعوبات الصغيرة، ليصبحوا أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات الكبيرة، فالحياة رحلة مليئة بالتجارب.
كما يجب أيضًا أن نعتمد على أنفسنا في مُواجهة عسرات الحياة، علينا أن ننظر إلى الحياة كما هي، بكل تعقيداتها وتقلباتها، وأن نتعلم كيف نتكيف معها، كما يجب أن ندرك أن تجاوز الأزمات يتطلب وقتًا وجهدًا، وأن الحلول السحرية غير موجودة.
وفي الختام، فإنه أهم الدروس التي نتعلمها من الحياة إدراكنا أننا لسنا وحدنا في رحلتنا، فالأمل، كالشمس التي تشرق بعد كل ليلة مُظلمة، يذكرنا بقوتنا الداخلية ويدفعنا نحو النمو والتطور.