آية عبده أحمد
إذا كنت على اليابسة خذ نفسًا عميقًا واستمتع بالأكسجين، فغيرك يختنق ويموت شوقًا كي ينعم به، أوتعلم كيفية الموت البطيء؟!
جرّب أن تغرق في شيء ما وستعي ما أقصد، ولا أنصحك بالتجربة.
يركض الجميع للبحر ليفرّغون ما بداخلهم، يشبهونه كثيرًا، فالحزن يتغلغل بداخلهم، رغم محاولاتهم في إخفائه، إلا أنه يسيطر على ملامحهم.
في حياة أخرى ربما كنتُ وردة، أنثر سحري على الجميع، حتى أخذني محبوب لمحبوبته، ولكنها ألْقَت بي في بئر الأكاذيب، يبدو أنها رأت فيه ثعلبًا دُثّر ذيله بكذبة تسمى “الحب أعمى”.
بل يبدو أن تلك الحورية جعلتني مثلها، لطالما غرقتُ عشقًا في البحر، أما اليوم فها أنا تخلّيتُ عن كل مغريات الدنيا، واستسلمتُ طوعًا له، وجعلني سجينة، لا سبيل لعودتي كما كنتُ، ولا التأقلم يُناسبني.
وقف ملكُ البحار مواجهًا لي، وأخبرني أن الدُّر يُخبَّأ فقط بداخل الحبّار، متناسيًا عمدًا أنه يمكن أن يجد ملاذه في عنق إحدى الحسناوات، وسمعته بالصدفة يقول: أنا مراوغ حد الجنون، إلا أنني بارع، فلن تكشف لُعبتي أبدًا.
هربتُ يومها فوجدتني مع سلحفاة بدأت رحلتها منذ سنة؛ لكي تذهب إلى البَر، لم تُعقها العثرات ولا شماتة من حولها.
اليوم ذهبتُ للطبيبة وسألتني عن تجربتي في رحلتي، أخبرتها عن كل ما حدث معي، لكنها نصحتني أن أشارك تجربتي، وأن أُخبرها بكل شيء منذ أن وصلت إلى هناك وقفزتُ من القارب، إلى حين عودتي للشاطيء.
ضحكتُ بهستيريا حتى كاد القناع الذي يمدّني بالأكسجين النقي أن يسقط من وجهي، وعقلي يتساءل بصوتٍ عالٍ أسمعه بوضوح:
كيف بإمكانهم التنفس دون معاناة، أنعود للبحر كي لا نشعر بالغربة هنا؟
ها هي الممرضة بيدها تلك الحقنة التي ستجعلني أنام طويلًا، وهذه المرة بدون مقاومة أغمضتُ عينيّ قبل أن تحقنني كالعادة بالمنوم.
في إحدى الجلسات النفسية العلاجية، سألتني فتاة بجانبي:
ماذا لو لم نستيقظ غدًا؟
أجبتها:
هذا يعني أن الحروف أغرقتني في قاع بحارها، فالكلمات لطالما أرسلت لي رسائل تُخبرني أنني في حياة سابقة كنت حورية بحر.
– أين نجد الأمان؟
= أعتقد أنه في الكتابة التي تجعلني طوعًا أمتثل لها، رغم أنني على يقين بأن الأمان حين يحتويني سأكون قد ذهبتُ من هنا للأبد.