ابداعات

..أسفل المصباح

✍️بقلم / انتصار عمار 

 

ربما أبدو كالنجم المضيء اللامع الذي يعكس بريق جماله في عين من يراه، ويسكب سنا ضوءه في راحة السماء، 

فيضيء الكون، وينير أرجاءه.

 

نجم قُدر له أن يسكن في عين السماء عاليًا، بعيدًا عن سطح الأرض.

 

كأمير يسكن قصرًا فارهًا يملكه، حلو البيان، شاهق البنيان، مزخرف، مزركش بلأليء الألوان، يأسر العين.

 

نجم مضئ في ذاته،مشع بالنور، هكذا يبدو، لكن داخله الظلام، أشبه بمصباح في ليلة ظلماء يضئ عتمتها.

 

لكن لا أحد ينتبه لما تحت المصباح من ظلام، نجد الجميع يلتف حول هالة النور التي تحيط خصر المصباح.

 

وتلق بأشعتها في بئر الظلام، فالجميع يكره الظلام، بل يخافه ويهابه، وكأنه شبح يطارد أنفاسه المتلعثمة من الخوف.

 

لذا لا أحد يكترث لظلمة عوالمي الداخلية، وقصري المهشم، ولؤلؤي اللامع بدمعة الأحزان.

 

وكوخي الفقير الذي لطالما آوي إليه هربًا من مظاهر الحياة الكاذبة، وملامح وجوه بشر ذابلة، لا تنطق إلا زيفًا.

 

وأنفاسي التي هي بيتي الضعيف المستكين الذي يحتضن آهاتي، وقلمي الذي يلملم أحرف مآساتي.

 

ليكتب مجلدات عدة، لا تُقرأ، وإنما تختزل في ذاكرة الزمن، كي تظل مخلدة بين جوانحي المنهكة من مشقة سفر طويل.

 

وروايتي التي تحمل توقيعي، وإمضاء نبض قلبي الذي أحاول أن أواريه عن أعين القارئ.

 

تلك الرواية التي ظللت أكتب فيها عمرًا، كل يوم أسطرًا، الرواية التي لم تخرج للنور بعد، ولن تخرج، فروايتي عمياء.

 

لا تبصر، حُرمت ضوء النهار، ولا تتأثر بضوء المصباح، ولن يعيد إليها النور ضوء القمر.

 

وتلك النقوش المحفورة بجدار قلبي، والتي تحمل أحرف اسمك.

 

تنام بين جنبي، تبكي القدر، تدون قصائد تعزف سيموفينة الحياة التي حُرمتها.

 

ومقطوعة الأمل الذي سُلب مني، أي مصباح سيضيء عتمة ليلي؟ أي مصباح سينير ظلمة القصر الذي زعمًا أمتلكه؟

 

وينثر هدوء قلبي في ذلك الكوخ! ويعيد إليَّ حبيَ الضائع، وولدي المغترب عن أوجه الحياة!

 

أي مصباح أنى له أن يفعل هذا؟

 

يقوى على أن يرفع ستار الزمن المنكسر عن أيامي! يجدد ملامح الأسى التي تسود وجه عالمي!

 

يُحَيْك ثوب الآهات الذي شُق من أول طلق ولادة لرضيع سلبته مني قسوة البشر!

 

ومن يأتيني به! ذلك المصباح لا يُبتاع ولا يشترى، وليس له وجود بكوكب الأرض.

 

فأنا المصباح المسافر، المغترب عن حاله، وأنا الظلام الذي يرقد أسفل المصباح، والذي لا يلتفت إليه أحد.

 

وأنا لهيب النار الذي يُشعل فتيل وجع مريض تُجرى له عملية دون مخدر.

 

وأنا الألم الذي يبكي تلك المآساة، بل أنا المأساة ذاتها التي وُلدت من رحم الحياة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!