أخبار

العملية العسكرية الإسرائيلية القادمة ستكون من نصيب العراق

✍️ يوحنا عزمي 

لم يعد هناك شك في ان العراق مُقبل علي تلقي ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة للرد بها علي تهديد الفصائل العراقية المسلحة لإسرائيل بالصواريخ والمسيرات التي صارت هذه المليشيات تطلقها عليها بصورة شبه يومية وتبالغ إعلامياً في تصوير نتائجها وهو ما سوف تتذرع به إسرائيل أمام العالم في ردها عليها ..

ولا أشك في ان أمريكا سوف تقدم من خلال قواعدها العسكرية في العراق كل اسباب الدعم اللوجيستي والاستخباراتي والمعلوماتي لهذه العملية العسكرية الإسرائيلية الوشيكة ، ولأنها بحكم تواجدها كل تلك السنوات في العراق ، تعرف كافة التفاصيل عن الأهداف التي تنوي إسرائيل مهاجمتها وتدميرها ..

وليس من المستبعد ان يتم هذا كله بالتنسيق والتشاور المسبق معها باعتبارها الحليف الإستراتيجي الأكبر لإسرائيل.

وأتصور ان الهجوم الإسرائيلي المرتقب علي العراق سوف يحدث دماراً واسعا في المناطق التي تتواجد فيها هذه الفصائل المسلحة وتطلق منها صواريخها ومسيراتها علي إسرائيل .. وقد تصحبها اغتيالات لبعض الرموز القيادية البارزة في هذه المليشيات علي غرار ما فعلته إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا ونجحت فيه.

فلديها بنك حافل بالأسماء والمعلومات التي يوفرها جهازا الموساد والشاباك ، وهي المعلومات التي تجعلها تعرف طريقها إلي أهدافها في كل مرة .. فهي لا تكتفي ، وهذا هو أسلوبها ، بتدمير القواعد في تلك المليشيات والتنظيمات المسلحة وترك القيادات ، وانما تمضي من ضرب القواعد إلي قطع الرءوس الكبيرة فيها لارباكها واضعافها وشل مراكز القيادة والسيطرة فيها .. وهو ما قد تفعله هذه المرة في العراق ايضا.

ولا اعرف ما سوف يكون عليه رد الحكومة العراقية وقتها بخلاف شكوي ضد إسرائيل سوف تبعث بها الحكومة العراقية إلي مجلس الأمن الدولي في نيويورك ، والتي سوف يأتي رد المندوب الإسرائيلي لدي المجلس عليها بقائمة اتهامات طويلة ضد العراق وكيف أنه لم يقم بدوره في وقف الهجمات المسلحة التي تنطلق ضد إسرائيل من أراضيه ، وسوف تستخدم أمريكا حق الفيتو لإحباط اي مشروع قرار يقدم إلي مجلس الأمن لإدانة إسرائيل عن عدوانها علي العراق .. 

هذا هو السيناريو الذي اتوقعه لعملية عسكرية إسرائيلية جاهزة دخل تنفيذها مرحلة العد التنازلي .. وسوف لن يكون هناك في توقعي رد عسكري من قبل العراق من اي نوع ولا علي اي مستوي علي هذه العملية الإسرائيلية .. تماما كما يحدث في سوريا.

حيث الهجمات الإسرائيلية مستمرة وردود الفعل السورية أما أنها غائبة او غير مؤثرة .. وهو ما سوف يتكرر في العراق .

هذا هو المتوقع والذي لن يكون فيه اي جديد بالنسبة لما يجري في المنطقة كلها الآن .. وحيث تضرب إسرائيل بقوتها الغاشمة في كل مكان.

اتصور ان إسرائيل تعد نفسها حاليا لرد انتقامي مدروس ومحسوب بعناية ضد العراق متذرعة فيه بخطر الصواريخ والمسيرات التي تطلقها بعض المليشيات العراقية المسلحة علي بعض الأهداف داخل الأراضي الإسرائيلية ، وهي الهجمات التي تصاعدت بوضوح خلال الفترة الأخيرة ، ولا تكف تلك المليشيات عن إعلانها عن مسئوليتها عنها.

ومما يؤشر بضيق إسرائيل المتزايد بتلك الهجمات ، الشكوي التي تقدم بها مندوب إسرائيل لدي مجلس الأمن الدولي في نيويورك ضد العراق ، والتي يطالب فيها الحكومة العراقية بالتدخل لوقف تلك الهجمات من قبل مليشيات عراقية مسلحة وصفها بأنها موالية لإيران . ووجه إليها تحذيرا شديدا حول ما ستكون عليه عاقبة سماحها بأستمرار هذا الوضع دون تدخلها لوضع حد له.

بات من الواضح ان رداً إسرائيليا عسكريا عنيفا في طريقه إلي العراق ، وان هذه الشكوي الإسرائيلية إلي مجلس الأمن الدولي هي مجرد تمهيد له ، وليس من المستبعد ان يطول هذا الرد الإسرائيلي العديد من الأهداف الإستراتيجية المهمة داخل العراق بالإضافة إلي إغتيال بعض الرموز القيادية الكبيرة التي تتزعم هذه المليشيات العراقية المسلحة ، وهي الرموز التي لا تخفي ولاءها التام لإيران ولحرسها الثوري الذي يقوم بتسليح تلك المليشيات وتمويلها وتدريبها والتخطيط لعملياتها.

ولا يخفي ان مهمة الحكومة العراقية في ضبط الداخل العراقي في مثل هذه الظروف العربية والإقليمية الحساسة والمعقدة سوف تكون مهمة صعبة للغاية وتكتنفها مخاطر كثيرة لا يمكن ان تكون غائبة عنها او غير ماثلة في حساباتها في تعاملها مع هذا الموقف العربي والإقليمي الخطير.

فما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وإبادة جماعية شاملة تحظرها كافة القوانين والمواثيق الدولية في غزة ولبنان ومن اغتيالات ممنهجة ومتواصلة لقيادات كافة فصائل المقاومة فيهما وبلا توقف تجعل مهمة الحكومة العراقية بشان تقييد ردود تلك المليشيات علي كل تلك الجرائم والفظائع الإسرائيلية ، امرا بالغ الصعوبة والحساسية ، وسوف يظهرها في صورة الحكومة الضعيفة والمتخاذلة ، الأمر الذي سوف يحرجها بشدة ويسيئ إليها بل وقد يطيح بها حتي وان كان هدفها هو حماية العراق والدفاع عن سلامة شعبه واراضيه في وجه هذا الاعصار الجامح من العنف المسلح.

وسوف يكون رد تلك المليشيات عليها ، علي نحو ما اتوقعه منها هو أنه إذا لم يكن بمقدوركم كحكومات عربية ان تفعلوا شيئا لردع إسرائيل ووقف تماديها في ارتكابها لجرائمها ضد شعوبنا العربية في غزة ولبنان ، فلا اقل من ان تتركونا لنقوم بهذه المهمة علي قدر ما تتيحه امكاناتنا العسكرية المحدودة .. بدلا من ترككم الحبل علي الغارب لإسرائيل .. تقتل وتعربد وتتمادي في اجرامها وارهابها دون ان تجد من يقف في طريقها ليردعها .. ووقتها لن تجد ما ترد به عليهم ومن هنا سوف تكون المشكلة الحقيقية .. وهي أنها سوف تكون بين الحكومة العراقية وبين الداخل العراقي وإسرائيل معا وفي نفس الوقت.

وحتي الآن ، فإنه ليس من الواضح طبيعة الخيارات والإجراءات التي ستتصرف بها الحكومة العراقية في ردها علي هذه التحذيرات الإسرائيلية المنقولة اليها عبر المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن الدولي ، وهل سوف تتجاهلها ولا تعيرها اهتمامها بالنظر إلي ما تفعله إسرائيل في غزة ولبنان ، ام انها سوف تاخذها في اعتبارها وتتصرف من الآن فصاعدا علي ضوئها من منطلق مسئوليتها عن حماية العراق وسلامة شعبه من العدوان الخارجي عليه ؟.

وفي كل الأحوال تبقي احتمالات قيام إسرائيل بتوجيه ضربة انتقامية موجعة ومؤثرة إلي العراق خلال الأيام القليلة المقبلة اكبر من اي وقت مضي وحيث لم يكن العراق مشتبكا مع إسرائيل في اي موقف عدائي مباشر كهذا الذي يجد نفسه فيه الآن والذي تجد حكومته نفسها فيه واقعة بين المطرقة والسندان : مطرقة المليشيات الداخلية المسلحة ، وسندان التهديدات الإسرائيلية للعراق بالعدوان العسكري عليه ..

وهذه هي الصورة العامة للموقف كما أراها .. فالتحديات خطيرة والحسابات معقدة ، والقرارات صعبة للغاية.

يجب ان تبقي الحكومة العراقية باجهزتها الأمنية في كامل يقظتها وألا تدع بعض المليشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة تورطها في ما قد يجلب للعراق دمارا لا يتحمله بحكم ظروفه واوضاعه الصعبة.

فالقرارات في هذا الظرف الإقليمي العصيب والخطير هي قرارات سياسية بطبيعتها ، ويجب ان تتم باقصي درجات الحرص والتاني والحذر.

وإذا كانت إيران التي تقع في بؤرة هذا المشهد الإقليمي كله قد امتنعت عن الرد علي عملية إغتيال حسن نصر الله ومن قبله اغتيال إسماعيل هنية داخل أراضيها وفي حمايتها ، وفوق هذا كله طيلة عام كامل من حرب إسرائيل علي غزة والآن علي لبنان ، فهل العراق في موقف اقوي منها حتي يخاطر ويذهب إلي ما لم تجرؤ عليه إيران ؟.

حماية الشعب العراقي وتأمين سلامته أولوية إستراتيجية قصوي يجب ان تعلو فوق كل الأولويات .. فمع جنون حكومة نتنياهو وتهورها وتطرفها في الانتقام ومغالاتها في الرد دونما تخوف من اي رد فعل عربي او إقليمي او دولي محتمل ضدها مع دعم امريكا غير المشروط لها ، فإن إقدام المليشيات العراقية علي تصرفات فردية منفلتة وعشوائية وغير مؤثرة ومحرض عليها من خارج العراق ، قد يجر العراق كله وراءه ورغما عنه إلي ما لا تحمد عقباه من نتائج وتداعيات .. وهذا هو مبعث خوفنا الكبير علي العراق من اقحامه في مواجهة عسكرية عنيفة مع إسرائيل قد لا يكون مستعداً او جاهزا لها او قادرا عليها ، وهو من لم ينته بعد من حربه الطويلة والمكلفة علي الإرهاب.

حماية العراق والحفاظ علي سلامة شعبه هما الواجب الأول للحكومة العراقية ودروس الماضي يجب ان تكون ماثلة كلها أمامها .. وإدارتها للأزمة الراهنة يجب ان تتم بقرارات مسئولة ومحسوبة بدقة بالغة ، بعيدا عن الانسياق وراء بعض الشعارات السياسية المرفوعة حاليا كشعار وحدة الساحات او غيره من الشعارات الفضفاضة التي لن يدفع ثمنها الفادح في النهاية سوي العراقيين وحدهم إذا ما اكتشفوا متاخرا أنه قد تم توريطهم فيها وكفي العراقيين ما دفعوه طيلة عقود وعقود من اثمان وتكاليف فادحة في صراعات وحروب كانوا في غني عنها ، وانتهي بهم الأمر إلي ما هم فيه الآن من أحوال لا يحسدون عليها ، وكانوا يستحقون ما هو افضل منها بكثير .

وإذا كان أهل مكة أدري بشعابها كما يقال ، فمن أدري بشعاب العراق في الظروف الراهنة من حكومته المسئولة عن سلامته وعن حق شعبه في الأمن والأمان ؟.

Related Articles

Back to top button
error: Content is protected !!