آية عبده أحمد
بين ليلة وضحاها يمكن أن يتغير كل شيء، حتى تلك الثوابت، بل نحن أيضًا.
على ذلك السرير الحديدي تمددتُ طوعًا، أو ربما قسرًا، ما هي إلا دقائق ثم حدث شيء لا اعلم ماهيته، وسط ذهول الجميع ها هي أصابعي تتحرك وحدها في الفراغ، أكتب كلمة واحدة “غرق” وأنطق بها.
– ما هذا؟
= لا أعلم أنا أيضًا.
– مَن يعلم إذًا؟
= لا تسألي كثيرًا.
– يبدو أنها سكرات الموت.
= بل أنتِ في حضرة العالم الآخر.
– لكن كيف!
استمرّ هذا الحال لأيام طويلة، وفي كل ليلة يحدث شيء مريب، تارة يأتي حشدٌ مهيب من الحشرات التي لا يقتلها الماء ولا الضرب ولا أي شيء، وتختفي فقط عندما يعلو صوت آيّ الذكر الحكيم.
ها هو صوت ذلك الشيخ الوقور يعلو شيئًا فشيئًا، وهو يرتل بعضٍ من الآيات، أما أنا فأنتفضُ من مكاني تارة، وأتحدث بأصوات مختلفة تارة أخرى؛ أحاول تهدئة نفسي، ولكن ذاتي متمرّدة عليّ، وأظل أتسائل بيني وبين نفسي:
لماذا سُلِبَت إرادتي مني؟
ثم علا صوتٌ مخيف قائلًا: إذا خرجتُ فسآخذ روحها.
= إنك لعين، سأحرقك بآيات الله.
– أنا مسلم، هيا بنا نقرأ معًا.
= أين هو ذاك؟
– في رحلة قصيرة وسيعود.
= اتركوها، اخرجوا منها.
– (تعالت مني صوت ضحكة مرعبة، وتبدو لشيخ كبير في العمر) لن أخرج.
يسيطر عليّ مرة، وأتمرّد عليه مرات كثيرة، أسهو فأجدني أمشي نحو البحر، وتأبى قدماي أن تنصاع لي ونعود أدراجنا، وقُبَيل غرقي يحملني أخي كطفلة ذات عامين، وأستسلم للغرق في أحلامي.