بقلم – جلال الدين محمد:-
هل تعرف تلك اللحظة التي تنزل بعض الكلمات على مسامعك فيها كالصاعقة، فتشعر كأن إناء من الماء البارد قد تم سكبه فوق رأسك، فتعجز كل كلمات بني آدم عن التعبير عما يدور بداخلك؟
هكذا كان المشهد على بحارنا الهمام، فتلك السفينة كانت حياته كلها، حدود العالم بالنسبة له تقف عندها. الفخر عنده كان اجتياز عاصفة هوجاء والوصول بسلام مع طاقمه، والخطر كان يسبح على أعماق متفاوتة، ولكنه كان دومًا مستعدًا كالأوركا التي تملك البحار.
ولكن عالمه تداعى في لحظات، حين أبصر نورًا شق الظلام، إلا أنه لم يكن مدعاة للفرح، بل نذيرًا بكارثة، فالسفينة تحترق!
الربان الشجاع لم يكن يحب أن يُجازف بطاقمه في أرض جديدة، وطالما تقدمهم أولًا حين يصلون لشاطيء مجهول، ولكن هذه المرة كان يرسو لمنفاه، ويودع كل ما كان يومًا له الحياة.
أبصر صاحبنا النيران وهي تأكل كل شيء في نهم، طاقمه الذي فيه إخوة أكثر من كونهم أصدقاء، سفينته التي لا يعرف بيتًا سواها، خرائطه، أمواله وكنوزه، صار كل شيء يُشوى على سعير مُتقد.
ليقف على الشاطيء في ظلام الليل، أمام عتمة البحر، وغياهب الجزيرة المجهولة، وحزن دفين جعل كل شيء مكسو بالأسود القاتم، ويلقى بمرساة حياته في أعماق اللاشيء.